روبرت بارك والمقاربة الايكولوجية للتحضر والهجرة

يعتبر بارك الأب الروحي لمدرسة شيكاغو بدون منازع، نظرا لضخامة الانتاجات السوسيولوجية التي ألفها حول مجموعة من الظواهر الحضرية كالهجرة والتفكك العائلي والسكان المشردون وعصابات الأحداث الجانحين والغيتو والانتحار ومناطق السكن الفقيرة والغنية ومناطق الجنوح القوي وفتيات طاكسي، والعائلة الجنزية وتنظيم الدعارة والسود والصراعات الاثنية...كل هذه الظواهر الاجتماعية التي صاحبت التوسع الحضري الذي عرفته مدينة شيكاغو بفعل تعدد الأقليات الاثنية قد تطرق لها بارك بالدراسة والتحليل وفق منظور ايكولوجي ينطلق في تفسيره لها من التفاعل الحاصل بين المجال الحضري بكل ما يزخر به من خصوصيات وأنماط وقيم وبين الانسان وما يمتلكه من مواقف وتمثلات.
وانطلاقا من الايكولوجيا الإنسانية اعتبر بارك أن دراسة الانسان ينبغي أن تتم على أساس دراسة التفاعلات بينه وبين الوسط الطبيعي والجغرافي الذي ينتمي اليه، معتبرا بذلك المدينة من هذا المنظور الايكولوجي مجالا غنيا بالتفاعلات والديناميات الاجتماعية. أو بلغة بارك نفسها أن المدينة هي مختبر اجتماعي لتحليل وفهم كل الظواهر الحضرية.
وفي اطار حديث بارك على ظاهرة الهجرة الإنسانية والتحضر، اعتبر أن هجرة الفلاح الى المدينة هي ظاهرة تاريخية وعملية دائمة لا يمكنها أن تتوقف، ولكنها تتحول مشكلة اجتماعية عندما يتم السعي الى حلها عن طريق الإدماج الحضري أو ما يسميه بارك بعمليه الانصهار، لأن الثقافة التي يحملها المهاجر القروي التي يتميز بهيمنة الأعراف والتقاليد الجامدة عليها، تختلف عن الثقافة الحضريةالتي تتميز بسيادة الفردانية والرأي العام والقانون الوضعي.
وهكذا يمكن القول بأن أهم ما ميز بارك في دراسته لكل الظاهر الاجتماعية الحضرية هو هيمنة البعد الايكولوجي عليه في تناوله لهذه الظواهر معتبرا المدينة مجالا خصبا ومختبر ا اجتماعيا لدراستها، وقد قال بارك مخاطبا طلابه " ارجعوا كل علاقة اجتماعية الى علاقة مجالية وعندئذ يمكنكم أن تطبقوا على العلاقات بين الناس المنطق الأساسي للعلوم الفيزيائية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

keyboard_arrow_up

جميع الحقوق محفوظة © عرب سوسيو- طلبة علم الإجتماع القنيطرة -

close

أكتب كلمة البحث...