الشباب و الزواج مقاربة سوسيولوجية


يستطيع القارئُ لأحوال المجتمع أن يرصدَ حالةً مِن عُزُوف الشباب عنِ الزواج؛ إمَّا لأسباب اقتصاديَّة، أو لضعف الوازع الدِّيني، أو لأسباب مجتَمَعيَّة تغريبيَّة، أو لانتشار أبواب الحرام مفتوحة على مصراعيها، وإغلاق أبواب الحلال بكثرة تكاليف ونفقات الزواج، التي لا يستطيع الوفاءَ بها الشَّبابُ حديثو التخرُّج؛ مما يُهَدِّد المجتمَعات العربية والامازيغية وغيرها بالخَطَر، والانحراف القيمي والأخلاقي.
وترى المندوبية السامية للتخطيط أن المغاربة إجمالا أصبحوا يقبلون على الزواج في سن متأخرة، ذلك أن متوسّط سنّ الزواج الأول لدى المغاربة، ارتفع بشكل كبير، حيث بلغ معدّل الزواج عند المغربيات 26.6 سنة، خلال سنة 2010، وهو ما يمثّل تأخرا في حدود 9.3 سنوات، مقارنة مع سنة 1960، حيث كان المعدل 17.3 سنوات.
لقد أصبح الشباب ينتظر أكثر فأكثر الدراسة، وإيجاد عمل قار ومسكن، قبل التفكير في الزواج الذي يمثل حسب كمال طالب علم الاجتماع، علامة من علامات الامتثالية الاجتماعية، وإذا كان 44.1% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، يقولون إنهم يفكرون في دخول القفص الذهبي. فإنَّ أرقام المندوبة السامية للتخطيط عام 2001، كشفت أن نسبة النساء البالغة 57.6% تفوق نظيرتها عند الرجال التي تصل إلى 34.1%. حيث أن 62.3% من الشباب المستجوب ترى أن الأسباب المشجعة على الزواج هي الاستقرار وتكوين أسرة، بينما ربطها 34.1% منهم بالواجب الديني.
من جانب اخر تؤكد الباحثة في علم الاجتماع "هادية بهلول" في كتابه;اختيار الزواج; بان بنية الزواج لم تتزعزع و لكن حيثياته و اعرافه و مقاييسه قد لحقها التطور و التبدل تحت مفاعيل تطور الوعي و تطور نمط العلاقة بين الرجل و المراة غير ان هناك اتجاها لم يتبدل قط و يبدو انه قاسم مشترك للبشرية جمعاء هو ان الرجل هو المبادر بطلب يد المراة و في هذا السياق درست عالمة الاجتماع التونسية هادية العود البهلول ظاهرة الزواج في تونس و لاجل ذلك اشارت – انطلاقا من الاستبيان اللذي اعتمدته – الى ان المحافظة و التدين اصبحا يشكلان مقياسين مهمين في عملية اختيار الخطيبة المناسبة و أرجعت الباحثة ذلك الى دواع خارجية منها التاثر بالإعلام الفضائي الديني – بوجه خاص – . ففي السبعينيات كان الشباب يميلون الى الفتاة المتحررة و المتفتحة و اللتي تواكب عصرها في الموضة و في التفكير دون شطط و مبالغة و كان الجانب المظهري للتدين خافيا فيما ظلت القيم في جوهرها قيما محافظة اما الان فان هناك عنصرا جديدا قد اقتحم المجال الاجتماعي و البصري و هو ظهور المرأة المتحجبة فهناك نسبة مهمة تقترب من 25 بالمئة اكدوا على تفضيلهم المحجبة على غيرها و هو ما يؤشر على ان التدين العام اصبح سمة بارزة لا تخطؤها العين المجردة و ان كان هذا التدين مظهري يشتغل على الرموز و الايقونات ( الحجاب .النقاب . اطالة اللباس او اللباس الفضفاض .الجدة المفرطة في الفضاء العام ) اكثر مما يشي بمحافظة حقيقية . و هذا المقياس الظاهري ” الحنبلي ” طارئ و حادث على البنية الاجتماعية للمجتمع التونسي . و لم تعمد الباحثة الى تعليل هذه الظاهرة بالاسهاب المطلوب و لكن نرى ان ذلك يوشر الى حقيقتين الاولى تراجع مواقع الحداثة و العصرنة في اكثر المجتمعات العربية والامازيغية انفتاحا و بداية تقهقر التراث البورقيبي اللذي كانت مرجعيته واضحة في بناء الدولة و المجتمع اما الثانية فترى في ذلك عودة الى الاصول و الى الاصالة التي سعت الدولة التونسية الى مقاومتها بدعوى الحداثة .
وفي دراستها من جملة الخمسين شابا اللذين وقع استجوابهم لاحظت الباحثة ان ما نسبته 67 في المئة منهم تؤكد على مقياس المحافظة في الملبس ما يؤشر فعلا الى تغيير حقيقي في وعي الشاب التونسي نحو تفضيل الفتاة المحافظة على الفتاة المتحررة و المتفرنجة . ان ذلك يشير الى ان هناك استقطابا حادا ينشا في المجتمع التونسي بين قطب متدين و بين قطب غير متدين و ان كان متمسكا بالفضيلة و لكن بطريقته الخاصة .
أما بالنسبة لمصر فان الجهاز المصريُّ للتعبئة العامة والإحصاء وُجُود 13 مليون مصري ومصرية، بلغوا سِن الزواج ولم يَتَزَوَّجوا، وتشير إحصاءات إلى بُلُوغ نسبة العُنُوسة 20% في مملكة البحرين ايضا، ودولة الإمارات العربية، 15% في دولة قطر، ولا يختلف الأمرُ كثيرًا في الأردن، التي سجلتْ أقل مُعَدلات العُنُوسة.
ويؤكد الدكتور السمالوطي: أنَّ التغريب وما يبثُّه الغربُ عبر وسائل إعلامه المختلفة، وآلياته الكثيرة - جَعَلَ الشَّبَابَ العربي والامازيغيَّ أكثر تلهُّفًا على تقليد النموذج الغربي في العُزُوف عن الزواج، تحت مسمى: الانطلاق، والحرية، وعدم التقيُّد بِوُجُود أسرة، وإشباع رغباته في أيِّ مكان خارج إطار الزوجيَّة، وأثْمَرَ ذلك تفسُّخًا أخلاقيًّا، وانحلالاً سُلُوكيًّا وقيميًّا، ظهرتْ نتائجُه على المجتمعات العربية والامازيغية.
ان عزوف الشباب عن الزواج اشكالية لا يمكن تجاوزها الا باعتماد حكومات هده الدول لبرامج حقييقية تمكن الشباب من الولوج الى سوق الشغل وتمكينه من العيش الكريم وتشجيع الزواج الشرعي وتقوية البنية الثقافية للاسرة عبر زرع القيم الاسلامية ،وكدلك عبر اصدار قوانين زجرية للحد من العلاقات غير الشرعية.
ختما يعتبر العزوف عن الزواج في الغالب الأعم يعود لأسباب مالية ومادية أكثر من رجوعها إلى ما هو إيديلوجي. ذلك أن الشباب لم يعد بوسعهم توفير تكاليف الزواج في ظل ارتفاع نسب البطالة وغلاء المعيشة وارتفاع المهور، إضافة إلى عوامل محددة تقف وراء تأخر الزواج من منظور علم الاجتماع كالتغيرات المتسارعة التي يمر بها المجتمع نحو التغريب والقيم المبثوثة بقوة عبر ثورة الاتصالات وحرية السوق والخصخصة مرورا بتدني القيم الدينية ووصولا إلى تسيد القيم الفردية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

keyboard_arrow_up

جميع الحقوق محفوظة © عرب سوسيو- طلبة علم الإجتماع القنيطرة -

close

أكتب كلمة البحث...