كيف تعدّ بحثًا أكاديميًا


مفيد جدا للمقبلين على إنجاز بحث الإجازة ؛ 
********
بناء على طلب بعض الطلبة الأعزاء, أعيد نشر هذا المنشور مجمعًا فيه 3 منشورات سابقة تناولت فيهم كيفية إعداد بحث أكاديمي, وها هى عنصره:
تعريف البحث: 
البحث في اللغة هو الاستخبار عن شيء, وفي اصطلاح العلماء هو تقرير موثق يقدمه الباحث عن بحثه الذي كلف به. ويجب أن يتضمن هذا التقرير جميع مراحل الدراسة التي نتج عنها بحثه بالحجج والأسانيد التي تدون بطريقة معينة. والبحث من جهة أخرى هو الجري وراء خبر ما لتقصّي حقيقته وإعلانها للمتتبعين.
أنواع البحوث :
استقر الرأي تقريبًا بين العلماء على أن البحوث تندرج حت أنواع سبعة, هى:
1. الكتابة في موضوع جديد لم يُسبق إليه.
2. أو في موضوع ناقص بغية إكماله.
3. أو في موضوع غامض يحتاج شرح جوانبه وإجلائها.
4. أو اختصار موضوع طويل شريطة عدم الاخلال بما فيه.
5. أو جمع موضوع متفرق الأجزاء.
6. أو ترتيب موضوع مختلط الأجزاء مشوشها.
7. أو إصلاح موضوع أخطأ فيه من تناوله.
أقسام البحوث في الجامعة:
تنقسم البحوث الجامعية بشكل عام إلى ثلاثة أقسام :
البحث الصفِّي , والبحث للحصول على درجة الماجستير, والبحث للحصول على درجة العالِميَّة (الدكتوراة).
وهناك بحوث أخرى يقوم بها أساتذة الجامعات بعد حصولهم على درجة الدكتوراة, وهى البحوث التي تؤهلهم لدرجات علمية أعلى وترقيهم لها؛ كدرجة الأستاذ المساعد, ودرجة الأستاذ. 
وسأهتم فيما يلي بالنوع الذي يهّم طلبتنا وطالباتنا الأعزاء في مرحلة الليسانس, وهو البحث الصفّي:
فالبحث الصفّي؛ وهو الذي يكلّف به الطالب في مرحلة الدراسة الجامعية. وتكون محددة بغية التدريب واكتساب المهارات, وتحت إشراف الأساتذة. ولا شكّ أن الطالب في هذه المرحلة في حاجة إلى عناية خاصة من أستاذه ورعاية تامة في كل صغيرة وكبيرة؛ فيتعرف على كيفية البحث عن المصادر والمراجع واستخدامها, واستخدام إمكانات المكتبة في ذلك. والتعرف على كيفية جمع مادته العلمية لعناصر بحثه, ثم ترتيبها فكتابتها وكتابة الهوامش, وغير ذلك, حتى ينتهي الطالب بفهم جيد لمهارات عمل الأبحاث, ويخرج ببحث مرموق وخبرة تؤهله للاعتماد على نفسه اعتمادًا كليًا تقريبًا بعد ذلك. 
كيفية اختيار موضوع للبحث
تقتضي الطريقة الصحيحة أن يعمل الطالب فكره لاختيار موضوع لبحثه وفق هواه وميوله لكن هذه المرحلة تتطلب تدخل الأستاذ مع طلابه في عملية اختيار الموضوع لحداثة المرحلة وقلة الخبرة والافتقار إلى مراحل عمل البحث وإنجازه بحيث يخرج على صورة جيدة وقد استفاد الطالب من توجيهات أستاذه ونفذها بشكل كامل دون المساس بقدر من الحرية للطالب في بعض جوانب عمل البحث بما لا يخلّ بالأسس التي سيتعلمها من أستاذه.
ويفضّل في هذه المرحلة أن يقترح الأستاذ موضوعات عدة على طلابه للاختيار منها, كل وما يناسب ميوله, كما سيكون من المفيد جدًا اصطحاب الأستاذ لطلابه إلى المكتبة ومباشرة آلية البحث في المصارد والمراجع بحيث يعاينوا طريقته ويتعلموها منه, ويناقش معهم كل ما يعنّ لهم من تساؤلات واستفسارات.
عرفنا إذن, ممّا سبق, أن المقصود بالبحث الصفّي هو إتاحة فرصة ممارسة عمل البحث, والتعرف على المصادر المتعلقة بالتخصص, والتعود على الانتفاع بالمكتبة واستخدام آليات البحث, وبلورة أسلوب خاص بالباحث في عرض الأفكار المختلفة وتقديمها في لغة يسيرة تؤدي المطلوب.
وهذه المرحلة هى مرحلة الإعداد الأولي على طريق إتقان عمل الأبحاث وأسميها مرحلة "بِرْكَةُ السِبَاحَة" حيث يلعب الأستاذ دور مدرب السباحة فيها. 
يخرج الطالب من هذه مرحلة إعداد البحث الصفّي وقد اكتسب خبرة لا بأس بها لإجراء أبحاث أخرى أكبر أهميّة, كما يصبح إجراء الأبحاث لديه عادة لا تكلفه عناء ولا مشقة, وتتقدم قدرته وإمكاناته على إصدار الأحكام والقرارات الصائبة ليس في نطاق تخصصه الدقيق فقط بل في جميع مناحي الحياة.
صفات يجب توافرها في الباحث :
تقتضي الطريقة العلمية إذا أردت عمل بحث جيد أن تمحو من نفسك كل رأي وكل عقيدة سابقة لك في مجال هذا البحث, وبذلك تتوطّن على الحيادية التامة المطلوبة للبحث. تبدأ بالملاحظة, والتجربة, ثم الموازنة والترتيب, ثم الاستنباط المبني على المقدمات العلمية فإذا وصلت إلى نتيجة من ذلك كانت نتيجة علمية خاضعة بطبيعة الحال للبحث والتمحيص, ولكنها تظل علمية ما لم يثبت البحث العلمي تسرّب الخطأ إلى ناحية من نواحيها. وهذه الطريقة العلمية هى أسمى ما وصلت إليه الإنسانية في سبيل تحرير الفكر.
ومن أهم صفات يجب أن تتوافر في الباحث : 
حب العلم, والذكاء, والخيال الخلاق, والدأب والمثابرة, وقوّة الذاكرة, الشكّ والتثبت؛ ومعناه عدم الاقتناع بالآراء المطروحة حول موضوعه بسهولة بل لابد من التأكد من صحتها, وعدم قبول كل ما يقرؤه على أنه قضية مسلمة لكن عليه أن يعمل فيه نظره ويقلب فكره ولايعد الشك عيبًا في الباحث بل ميزة مهمة.   
أخلاقيات تجب مراعاتها خلال عمل البحث, وبعده:
منها الأمانة؛ فهى من أسس نجاح الباحث, فلا يقتبس شيئًا من أعمال الآخرين دون الإشارة إلى صاحب العمل, ولا يقتبس ويغير فيما اقتبسه بالنقصان أو الزيادة, فهذا تحريف للحقيقة وظلم لصاحب العمل المنقول منه. والأمانة تتطلب الالتزام بالحقيقة ونتيجة البحث من غير ليّ لعنق هذه الحقيقة وحرفها عن مسارها الصحيح إرضاء لرأي شخصي وإذعانًا للهوى. ومنها الإنصاف؛ فيعرض الآراء المخالفة لرأيه في مناقشة هادئة دون تشويه أو تجاوز. ويجب إنصاف الجميع دون تحيّز لأحد على حساب أحد. ومنها ضرورة ذكر أعمال السابقين في موضوع البحث, وجهودهم المبذولة فيه, مع إمكانية تصحيح الأخطاء إن وجدت بالدليل. ومنها الاعتراف بفضل من قدموا له يد العون. ومنها عدم إنكار الأخطاء التي وقع فيها أثناء عمل البحث, والمسارعة في تصحيحها, لتجنيب الآخرين الانجرار وراءه ونقل هذه الأخطاء لقراء جدد.
إعداد خطة بحث
يمر إعداد خطة بحث ما بثلاث مراحل أساسية, هى:
أ‌-  اختيار موضوع البحث 
ب‌-  وضع خطة مناسبة لموضوع البحث 
ج- تحري المصادر التي تخدم موضوع البحث 
اختيار موضوع للبحث:
ليس مطلوبًا من الطالب المبتديء في مجال الأبحاث أن يقوم بعمل بحث مبتكر يجيب عن أسئلة مجهولة الإجابة, أو يجلي غموض مخطوطة قديمة, أو وثيقة غير معروفة من قبل. وإنما يراعى في مرحلته هذه أن يستوعب وسائل إعداد البحث والتدرب على الممارسة العملية له, بما يجعله قادرًا في المستقبل على استئناف عمل الأبحاث منفردًا ودون توجيه أو مساعدة على الأقل في الخطوط العريضة لعمل الأبحاث.
عنوان البحث:
لابد أن يشير عنوان أي بحث إلى مضمونه, لذلك يجب إعطاء أهمية كبيرة لاختيار عنوان موضوع البحث؛ فيحدد بإحكام ما تشمله التفاصيل الداخليه للموضوع. فعلى فرض أن الطالب يريد إجراء بحث عن "الصلاة في اليهودية", فعليه أن يضمن بحثه العناصر الأساسية في الصلاة, على النحو التالي مثلا: 
التعريف بالصلاة (מהיא תפילה), متى شرعت الصلاة (התפילה במקום קורבנות), مواقيت الصلاة وعددها (זמני התפילה ומספרה), أنواع الصلاة (מחזור התפילה וסידורה), مكان الصلاة (מקום התפילה), الاغتسال والتطهر للصلاة (רחיצה לתפילה), أحكام الصلاة (דיני התפילה), جوهر الصلاة (מהות התפילה), لماذا الصلاة (מטרת התפילה בהגות), شروط الصلاة (היכולת להתפלל), صلاة الطوائف (התפילה אצל אשכנזים וספרדים), صلاة المرأة (תפילת נשים), البركات (ברכות), زِي الصلاة (טלית, תפלין, ציציות), هيئة الصلاة (איך להתפלל), ما يبطل الصلاة (איסורים בתפילה), الصلاة لدى القباليين (תפילת חסידים).
وغير ذلك من عناصر من المهم الإلمام بها للتعرف على تفاصيل هذا الفرض في اليهودية.
نعرف إذن أن وضع خطة للبحث يقتضي استحضار كل العناصر أو على الأقل أهمها للإحاطة بجوانب موضوع البحث, وهى مرحلة تلعب فيها ثقافة الباحث, وخياله في الوقت نفسه الدور الرئيسي فيها, فيمكنه استرجاع شريط ذاكرته لتدون العناصر أو بعضها, ويمكنه استكمالها من خلال قراءة بعض المراجع فيه.
ويتعين في وضع خطة البحث تقسيمه إلى أبواب وفصول, أو إلى مباحث, أو فقرات مرتبة بنظام معين يسهل وصول الباحث إلى نتائج جيدة في موضوع بحثه.
وتعدّ خطة البحث صورة مختصرة أو مصغرة, أو هى الخطوط الرئيسة والعريضة للموضوع, ويمكننا تشبيهها بهيكل عظمي يبنى عليه اللحم, أو بهيكل تصوري لبناء ضخم (ماكيت مصغر), محاكي للأصل المراد إنجازه, أو بهيكل خرساني لعمارة سكنية يراد بناءها فهو يعطي صورة تقريبية تضم كثيرًا من الصورة أو الشكل النهائي للبناء.
وهنا مطلوب من الباحث وضع تصور موضوعي لبحثه في صورة أبواب وفصول بحيث توزع العناصر التي قام بتجميعها في المرحلة السابقة كل تحت عنوان فصل من الفصول أو مبحث من المباحث الفرعية, ويكون التقسيم مراعيًا للموضوعية والترابط بين الأجزاء أو الأقسام المختلفة.
ويجوز للباحث النظر في بحث مشابه لبحثه الذي يقوم بإعداده ويمكنه الاستفاده منه ومحاكاته, وليس بالضرورة أن يخرج بحثه صورة طبق الأصل من بحث سابق لأن لكل بحث مجاله وظروفه وعقلية الباحث فيه. 
ولا شك أن استشارة الأستاذ المشرف على البحث في كل المراحل ضرورية جدًا لتدارك الأخطاء من البداية وتحسين الأداء العلمي لعمله والبحث من هنا هو خبرة تراكمية تزداد إتقانًا كلما أوغل الباحث في بحثه وغاص في مصادره ومراجعه واطلع على أبحاث قيمه تخرج بنتائج إيجابية مفيدة.
مقدمة البحث
تعد مقدمة البحث بمثابة نافذة يطل منها القاريء على ما هو مقبل عليه من تفاصيل جزئية ودقيقة عن العنوان. وهى تحدد للقاريء حجم الموضوع وأهمية تناوله بالبحث والاستقصاء, وشرح مبررات بحثه. وإبداء الدوافع التي تطلبت بحثه. 
ويجوز اشتمال المقدمة على عرض عام لموضوع البحث, وإبراز أهم الجوانب التي يراد التركيز عليها, وكذلك جهود السابقين فيه, وأي النقاط تستدعي اهتمامًا أكبر! وغير ذلك.
كما تضم المقدمة بيانًا قصيرًا عن أبواب البحث وفصوله , وأهم الصعوبات التي اعترضت طريق الباحث والمشكلات التي صادفته وكيف تصرف حيالها.
جوهر البحث – التقسيم إلى أبواب وفصول (خطة البحث)
يجب تقسيم البحث إلى أبواب وفصول إذا كان يعالج موضوعًا كبيرًا, فيقسم الموضوع أولا إلى أبواب رئيسية, ثم يقسم كل باب إلى فصول, والفصول إلى مباحث, والمباحث إلى عناصر أو عناوين فرعية, تعالج جوانب موضوع الباب.
أما إذا كان موضوع البحث صغيرًا كموضوعات البحوث التي تقرر على طلاب الجامعة في مرحلة الليسانس, فيفضل تقسيمها إلى فصول محدودة, وتقسم الفصول إلى عناوين فرعية يعالج كل عنوان عنصرًا, أو فكرة من أفكار البحث الكثيرة.
ولابد لإخراج بحث جيد ان تكمل الأبواب والفصول, أو الفصول والعناوين الفرعية بعضها بعضًا, بحيث يشكل في مجموعها كتلة معرفية واحدة, في مجال البحث. وتجب مراعاة التسلسل المنطقي لأجزاء البحث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

keyboard_arrow_up

جميع الحقوق محفوظة © عرب سوسيو- طلبة علم الإجتماع القنيطرة -

close

أكتب كلمة البحث...