الطوطمية : محاولة للفهم والتفسير 
هل هي الديانة الأولى ؟ وإن كانت فما هي بداياتها وماهي مضموناتها ؟ ، يجيب عالم النفس الشهير سيجموند فرويد بأن الطوطمية هي ديانة عبادة الأب القوي المستحوذ على كل شيء ، " فقد كان الذكر القوي الشديد البأس سيد العشيرة ووالدها يحوز ما يحلو له بفظاظة وشراسة وسلطانه لا يحده حد " أما الأبناء " فقد كانوا يقتلون أو يخصون أو يطردون من العشيرة إذا ما أثاروا غيرة الأب وكانو يجدون أنفسهم مكرهين عل العيش في جماعات صغيرة ولا يعرفون سبيلا لاقتناء النساء وحيازتهن غير الخطف والسبي ويضيف فرويد " إن الأشقاء المطرودين والمتجمعين في جماعات صغيرة تعاضدوا على قهر والدهم والتخلص من جبروته ومن ثم افتراسه "و يفسر مسالة الافتراس كما يلي " ينبغي أن نعد أكل لحم البشر محاولة للتشبه بالأب من خلال التمثل الجسدي لقطعة منه " . وقد أدت التطورات الاجتماعيةالهيكلية على تطور الشرائع فحظر حب المحارم وسن قانون الزواج الخارجي وانتقلت سلطات واسعة للأم لينشأ مجتمع الأمومة طيلة فترة أسماها فرويد " عشيرة الأخوة " ، لكن ذكرى الأب المقتول لم تضمحل وكما شخص فرويد بعلمية ودقة متناهية فإن " كل عنصر منبثق من الماضي يفرض نفسه بقوة فائقة ويمارس على الجموع تأثير هائلا ويصبح بلا منازع موضوع إيمان لا يستطيع حياله أي اعتراض منطقي شيئا " فوقع الاختيار على حيوان مفعم بالقوة وبالتأكيد كانت له أهمية كبيرة حينذاك ليلعب دور الأب ويكون بديلا عنه . وأظن أن للأب علاقة من نوع مميز بذلك الحيوان كأن يكون متخصصا بقتله أو بأكله ليكتسب قوته ولهذا تم اختيار الحيوان ذاته ليماهي الأب وكأن هذا الحيوان الذي يحتفل به وبقتله من قبل كل العشيرة كما قتل الأب ومن ثم أكل .
لقد كان البدائيون يوقرون الطوطم ويفرضون محرمات شديدة يكون الموت عاقبة من يتجاوزها ولا يتقيد بها وهذه أول صيغة للدين كما أشار إليه فرويد عندما قال " الحق أن الطوطمية يمكن أن تعد فعلا صيغة أولى للدين في تاريخ البشرية “ ورأى إن الإنسانية تقدمت باتجاه أنسنة الكائن المعبود وحولته إلى إله لتظهر لاحقا الآلهة الأمومية الكبرى بعد خلع الأمهات من السلطة والتأثير .
إن هذا العرض المكثف لكيفية نشؤ الدين الأول ضرورية لاستعراض العقائدالمتصلة بها والتي ترسم شكل العلاقة بين الآلهة أنفسهم وبينهم وبين البشر .
ومما يجدر الإشارة إليه أن هذا الفهم لنشوء الدين الأول لا يختص به فرويد وحده إنما هنال جمهرة من العلماء ممن شاركوه الرأي ذاته لكنه تميزعنهم بعمق تحليلاته وعلميتها . ولو شئنا استبيان الفهم الفرويدي بدقة فيجب المقارنة مع تكون المفاهيم لدى الأطفال حيث أن الطفل يكون آراءه بالإستناد لعلاقاته المادية القريبة والأشد قربا ولا تشده مظاهر الطبيعة، ومن البديهي أن تكون الأم والأب والأخوة هم محور اهتمام الطفل ومركزتفكيره والموضوع الذي يبني عليه كل بناءه النفسي والعقلي أما ظواهر الطبيعة فيتم الاهتمام بها من خلال العائلة أيضا ولا ينظر الطفل إليها بصورة مستقلة لذلك يمكننا أن نستنتج أن البشرية في طفولتها الأولى كانت بالفعل تسلك سلوك الأطفال حاليا فيجعلون الأب والأم المركز الذي يدور حوله كل شيء .
ولماكس موللر المتخصص في لغات الأقوام الهندو ـ أروبية نظرية تقول أن البشرية اولا عبدت الطبيعة وقواها المختلفة وشرح نظريته في كتابه المعنون ( بحوث في عالم الأساطير المقارن ) وذلك بعد أن عثر على كتاب الفيدا وهو أقدم كتاب ديني عند الهنود عده العلماء مصدرا لجميع أديان الأقوام الآرية ، وقد تناول طه الهاشمي في كتابة ( تاريخ الأديان وفلسفتها ) هذا الموضوع وأكد أن موللر بسط نظريته كما يلي : ( إن مظاهر الطبيعة كانت أول ما استرعى انتباه البشر الأول ودهشته عندما نظر للكون ولشدة نفوذها وتأثيرها في نفسه نبهت فيه فكرة الدين فعبد الطبيعة . ) ويستشهد مللر بعبادة الأقوام الهندو ـ أروبية لمظاهر الطبيعة بكتب الفيدا التي هي مجموعة من الأساطير الهندية القديمة والطقوس والآداب التي ينبغي مراعاتها وهي مكتوبة باللغة السنسكريتية لغة الهنود القديمة .
لكن المقارنة بين النظريتين ( نظرية مقتل الأب ونظرية الطبيعة ) تفيدنا بسهولة أن عبادة الأب والحيوان القوي هو أبكر بكثير من تمكن البشر من النظر إلى السماء والطبيعة وقواها ومن ثم عبادتها ، والإنسان الذي يستمد قدرته على البقاء والحياة من أبيه وأمه وبعد ذلك استمرار علاقته بهما طيلة حياته هوالذي أنشأ لديه الخوف والاحترام وما ينتج عنهما من قيم تتصل بحياته ونعني الشريعة التي تبقيه في مأمن وتوفر له الطعام ، وتلك الشريعة متجهة كليا لتبجيل أصحاب الفضل في استمرار العشيرة وبقائها مما شكل الدين الأول الذي سيتطور لاحقا طبقا لتطور مجتمع العشيرة وصراعاته الداخلية والخارجية ومن بعد ذلك سيأتي دور الطبيعة وقواها بعد أن بلغ الوعي الإنساني قدرا كافيا من ومناسبا للنظر إليه .
وللإلمام أكثر بمسألة الدين الأول يقول الهاشمي " لم يتفق العلماء على طريقة واحدة لمعرفة نشأة الدين الأول وصنف أولئك العلماء طبقا لنظرياتهم إلى من اعتمد على الانثريولوجيا ووضعوا نظرية ( الروحية ) أي أن البشر عبدوا بداً الروح واعتقدوا أن لجميع المخلوقات روحا ، كذلك فهناك من اعتمد الدراسة الاجتماعية للجماعات البدائية وحاولوا اكتشاف القوة الخفية التي أثرت في تكوين تلك الأوضاع فوضعوا نظرية الطوطمية أما الذين اعتمدوا على اشتقاقات اللغة ( الفيلولوجيا ) والمقارنة بين أوصاف الآلهة فقد وضعوا نظرية الطبيعة أي عبادة الطبيعة التي لأشرنا لها سابقا .
وكي لا نزيغ عن موضوعنا فإن كلا التوجهين ( الطبيعي والفيلولوجي ) يفترضان توفر وعي ومعرفة متقدمين على الوعي البدائي الأول أما عبادة الروح فهي متأخرة حتى على عبادة الطبيعة وقواها لأن الأنسان عبد قوى الطبيعة دون أن يأنسنها أو يضع فيها روحا فهو لم يكن يملك القدرة العقلية على تصور المزدوج المادي الروحي وكان يتعامل مع أحاساساته مباشرة وبمادية تامة . وفي هذا المعنى يمكننا أن نشخص بأن ما هو مقدس يعني ارتباطه بعدد من قواعد التحريم ( التابو ) وهذا مرتبط أصلا بالوضع الاجتماعي للعشيرة أي بعلاقة الأفراد ببعضهم ( أب ، أم ، أخ ، أخت .. ) وهو المقدمة الصحيحية لنشوء الدين بما يحويه من طقوس وعبادة وشريعة .
وقد ذهب دوركايم كما أكد ذلك السيد علي النشار في كتابه ( نشأة الدين ) إلى أن الطوطمية هي أقدم دين وجد عند البشر ، فيما ذكر العالم الاسكتلندي ( ماك لينان ) أن الطوطمية ليست دينا فحسب بل الملهم لعدة معتقدات وطقوس وجدتت آثارها في الأديان المتقدمة ، وقام العالم الشهير ( لويس موغان ) في كتابه (المجنمع القديم ) بدراسة الطوطمية مثلما فعل السير (جيمس فريزر ) الذي رأى أن الطوطمية دين ونظام اجتماعي ويبدو أن الناحيتين الدينية والاجتماعية قد واصلتا الافتراق منذ النشأة المشتركة الأولى ولعل في توضيحات عالم النفس الكبير سيجموند فرويد تفسيرات للناحيتين الدينية والاجتماعية وعلاقتهما التاريخية .
والآن بعد تلك المقدمة فماهي الطوطمية ؟ وماهي أسسها وطقوسها ومضمونها ؟
عرف فريزر الطوطم في كتابه ( الطوطمية والزواج ) بأنه " مجموعة من الأشياء المادية التي يحترمها البدائيون ويعتقدون بوجود علاقة خاصة لهم بتلك الأشياء " ونوضح أن الطوطم يختلف عن الوثن بكونه يعني نوعا وليس شيئا محدادا بعينه أي عندما يكون الغراب هو الطوطم فالمقصود هو نوع الغراب بكامله وليس غرابا معينا ، ويمكن أن نجد ثلاثة أنواع من الطواطم الأساسية هو طوطم العشيرة الذي ينتقل من جيل إلى آخر والثاني هو الطوطم الذي يميز الرجال من النساء والأخير هو الطوطم الفردي ومن بين الأنواع الثلاثة فإن النوع الأول هو المهم الذي تتكون من محرماته ديانة العشيرة .
ويعتقد أبناء العشيرة أنهم نزلوا من صلب طوطمهم ( لاحظ موضوع الأب وعلاقته بالطوطم كما شرحه فرويد ) لذلك هم لايقتلونه سواء أكان حيوانا أو نباتا ولا يستعملونه إذا كان شيئا ، وقدم العالم ريناخ عام 1900 أسس والطوطمية وأحكامها بناقط أهمها : 
1 ـ عدم قتل الطوطم ( نوعه ) والامتناع عن أكله .
2 ـ التعامل باحترام شديد مع الطوطم الميت والحزن عليه .
3 ـ إذا ضحي بالحيوان المقدس فإن ذلك يتم بطقوس خاصة تتضمن الحداد 
4 ـ الأفراد والعشائر تتسمى بأسم الطوطم .
5 ـ العشائر تتخذ صور الحيوانات الطوطمية شعارا لها ويزينزن أسلحتهم بها .
6 ـ الطوطم يحمي العشيرة ويحرسها وإن كان مفترسا فيرحمهم ويشفق عليهم .
7 ـ الطوطم ينبئ العشيرة بالمستقبل ويهديها للطريق الصحيح .
تؤمن العشائر الطوطمية بأنها وطوطمها من أصل واحد وبدقة أكبر فهم يعتقدون أنهم من نسل طوطمهم .
أما محرمات الطوطمية ومقدساتها فهي ضمن سياق متشابه لجميع العشائر فهم يستعملون موادا في طقوسهم يعبدونها ويسمونها ( عند الكثير من العشائر ) بالشورنجا وتعني المقدس وهي تصنع من الخشب على شكل بيضوي أغلب الأحيان وقد نقشت عليها صورة الطوطم ولا تذكر إلا بكل احترام وتوقير ولها محرمات فالنساء لا يحق لهن مشاهدتها لأنهن غير طاهرات ؟ وكذلك فالبنين الذين لم يبلغوا لايحق لهم رؤيتها إلا في حالات خاصة ، وتحفظ الشورنجا بمكان يصبح مقدسا ويعامل كما تعامل ولا يجوز القتال فيه والعدو فيه آمن ولا صيد ولا قنص فيه ولها ميزات مهمة فهي تشفي المرضى وفق طقوس معينة وتداوي الجروح وتجلب النصر للعشيرة وتهزم العدو ومصير العشيرة مربوط بها ، وإذا تمكن العدو واحتازها فسيعم حزن عظيم ، ويعد رئيس العشيرة هو حامي الشورنجا وحارسها و لوحظ أن رسم طوطم العشير على أي حجر سيجعل منه مقدسا .
وفي العشيرة الطوطمية فإن الزواج بين أفراد العشيرة محرم وكذلك أي شكل من العلاقات الجنسية ، كما أن الختان كان معمولا به عندهم .
وللطوطمية ثلاث مراتب : الأولى تمثال الطوطم والثانية هي الطوطم نفسه أما الثالثة فهي الشخص الذي ينتمي للطوطم ، وعشيرة الطوطم تضم كل الموجودات في بيئته ويعتقد الطوطوميون أن الموجودات المختلفة ليست إلا تنويعات وأشكال مختلفة للطوطم وتشمل كل شيء المطر والسحاب والشمس والقمر أي أن كل ما موجود مدمج بشعبهم وبالتالي بطوطمهم أي أن العشيرة الطوطمية تختصر الكون بكامله في ذاتها وأرضها وتعتقد أن كل الموجودات أشكال مبتذلة للطوطم وأكد ذلك جملة من العلماء منهم فيزون وهويت وكريمر ( قارن أفكار الشعب المختار في الديانات الشرق أوسطية) .
وأعتقد أن المادة الممثلة للطوطم ليست سوى الأداة التي استعملت في قتل الأب أو التي أعانت على ذلك فأصبحت أقوى منه وانتقلت قوة الأب إليها أي أن العشيرة الطوطمية تعتقد أن قوة الأب وسلطته انتقلت إلى المادة التي استعملت في قتله وسكنت فيها وأصبحت هذه المادة ( السلاح ) هي موضوع التقديس الباقي والخالد الذي لن يموت أبدا ، إنها القوة الخالدة التي سيطلق عليها لا حقا بالقوة الإلاهية وهي طبعا كما قال دوركايم لا تحمل إسما ولا تاريخا ولم ينسج حولها أية أساطير وقد ذهب مذهبا خاطئا عندما اعتقد بأن المانا هي الأساس الذي نشأت عنه الطوطمية فذلك قلب للحقائق كما تبين من استعراضنا السابق .
ومن المهم هنا ان نرتب استنتاجاتنا الأساسية المتعلق بالطوطمية والتي وضعت فيها القواعد الأولى للعلاقة بين العبد والمعبود المقدس :
أولا : إن الموضوع الأكثر أهمية هو ما يؤمن به الطوطميون من ان الطوطم هو أبوهم وأنهم منحدرون من سلالته ونجد هنا علاقة مختلفة بين العبد والمقدس لا تتمثل بعلاقة خلق وابتعاد إنما هي علاقة ولادة ونسل وصلات وطيدة جرت على مستوى التاريخ العقلي لأبناء العشيرة ، ونجد في محرمات معينة مثل منع النساء والأطفال غير البالغين من النظر إلى الشورنجا كاستمرار لمحاولة إخفاء أحداث جرت في الماضي لما حصل للأب من قتلة شنيعة ومن ثم افتراسه من قبل الأبناء الثائرين ، فتلك الجريمة حصلت بعد أن منعت النساء والأطفال من الدفاع عن الأب كونه مازال يرتبط بقوة بهاتين الفئتين بعلاقات الولاء المتبتدل ، وعندما حولت الجريمة إلى استذكار استمرت طقوس ابعاد النساء والأطفال بدعوى عدم صلاحيتهم للنظر إلى الشورنجا الرمز الأسطوري للأب المقتول .
إن العقل الطوطمي لم يكن بمقدوره أن يناقش مسألة الخالق الكلي وليس لديه أكثر من منظومة التحريمات التي تضمن للطوطم كونه الأب الحامي كل احترام وتقديس ، ولعل مسألة الافتراس وأكل لحم الضحية الطوطمية هي عملية تجديد وتعزيز لصلة قرابة الدم التي يؤمن بها الطوطمي تلك القاربة اليقينية لدى أفراد العشيرة بقدر ما هي إعادة تمثيل لتلك الذكرى المؤلمة .
ثانيا ـ إن صلة العبد بالمعبود تتمثل بالتقديس والتوقير التام وعدم اقتراف الذنوب وعدم تجاوز المحرمات وكذلك تقديم الأضاحي وأيضا إحياء ذكرى المعبود بقوة عبر الرقصات والأصوات الخاصة والرموز .
ومن الواجبات التي يتوجب على أبناء العشيرة الالتزام بها ويعد من يخالفها مذبا لدرجة تستحق القتل ضرورة الامتناع التام عن الزواج أو ممارسة الجنس مع نساء العشيرة . وقدم فرويد تحليلا لهذه الظاهرة بما أسماه ( زواج الفئة ) وهو الزواج الجماعي الذي تم ساعة قتل الأب واستحلال الأبناء النساء اللواتي كن بحوزة الأب المقتول وبسبب ما سببه هذا الزواج من خصومات شديدة بين الأبناء المنتصرين لجأوا إلى تحريم الزواج من نساء العشيرة تماما والذي خفف لاحقا إلى الزواج الفردي بفعل ظهور الرجال الأقوياء الذين استطاعوا بسط سلطانهم . وأعتقد أن ثمة سبب قوي آخر سبب منع الزواج من نساء العشيرة ( ولنسمه بالزواج الداخلي ) ذلك هو امتناع نساء الأب المقتول وأطفالهن الصغار من الرضوخ لسلطة الأبناء المنتصرين ، فعملية القتل التي جرت أمام الجميع دفعتهن ـ حتى من باب الخوف على حياتهن ـ لآتخاذموقف مضاد مقاوم من الثوار بينما اعتبر المنتصرون كل النساء والأطفال أسرى وتم التخلص منهم بمبادلتهم مع عشائر أخرى كانت عندهم ذات المشكلة وتكررت عملية المبادلة حتى غدت قانونا يريح الجميع ومن ثم أدخل ضمن التحريمات الطوطمية ( ولعلي أزعم أن أول مبادلة تجارية جرت في التاريخ الإنساني هي مبادلة أولئك النسوة ).
ثالثا ـ إن واجب الطوطم الأساسي هو حماية العشيرة من الأمراض والأعداء ومساندته لها في الحروب وقيامه بإذاء العدو وكذلك إيذاء من لا يلتزم بالتحريمات المقرة والمتعارف عليها عند العشيرة وهذه كلها واجبات الأب المقتول ..
رابعا ـ إن العشيرة لم تنظر لطوطمها ككائن بعيد ومقطوع عنها إنما رأته الأب والحامي والعشيرة هي نسله وعائلته التي يدافع عنها مثلما كان الأب الحقيقي للعشيرة يفعل وقت حياته وهو الذي يداوي الجروح والأمراض بحكم خبرته فقد أصبح رمزه مثله مكتسبا كامل قدراته وزاد عليه . 
خامسا ـ إن الطوطمية تقسم الأشياء إلى صنفين لا ثالث لهما وهما مقدس أو غير مقدس .
سادسا ـ يقول بعض العلماء أن الدود والزواحف التي تأكل الجثث كانت أولى الطواطم التي عبدت وأعتقد أن هذه الملاحظة غير دقيقة فالبدائي لا ينتظر أو يدقق بما سيحصل للجثث بل هو يأكلها في الكثير من الأحيان لكنه يتأثر وبقوة بالحدث الذي أدى إلى الموت وهي الوحيدة المفهومة لديه و لاأظن أن للبدائي تلك العواطف الجياشة ليقف يندب ميتا .
7 ـ أقترح العلماء السوفيات بناءا على نتائج علم الآثار أن التصورات الدينية لم تستطع الظهور إلا قبل 40 ـ 50 ألف سنة حيث ونتيجة عجز الإنسان أمام الوحوش البرية الهائجة فقد نسب إليها خواص خيالية ، وقد فكر الإنسان أن للوحوش والبشر أسلافا مشتركين وأن الوحش يعيل الإنسان بأن يقدم له لحمه . ويضيف العلماء السوفيات إن الإنسان لم يقدم أية تفسيرات لظواهر مثل الموت والحياة فقد اعتبر إنه إذا ما حافظ على عظام الحيوانات أمكن إعادة الحياة لها بقوى سحرية كذلك فإن هذا لتصور الخيالي عن الحيوان كسلف حامي لجنس معين من الناس المرتبطين به ارتباطا دقيقا أطلق عليه العلم المذهب الطوطمي .
والسوفيات لم يقدموا وجهة نظر تحليلية واكتفوا بهذا العرض الوصفي المبسط .
8 ـ لم يرد مطلقا أن للطواطم قدرة إحياء الموتى وكذلك فليس هنالك ما يشير إلى مرحلة ما بعد الموت فدور الطوطم ينتهي عند الموت فهو إله أحياء وليس إله أموات .
قوة المانا : نشأت فكرة القوة التي تقف وراء المقدس المادي المسمى بالشورنجا والذي يرمز إلى طوطم العشيرة بعد تطور فسلجي حتمي أتاح للدماغ البشري أن يتخيل وجود شيئ لامرئي ( أوغير محسوس بعبارة أفضل ) يدخل الأشياء فيكسبها قدسيتها وقوتها .
لكن ماهي ضرورة ذلك التطور وما هي الأسباب التي دفعت إليه ؟ يمكننا أن نقتفي آثار تلك الأسباب بنجاح ، فالمسلم به أن البيئة هي المسبب الأول للتطورات الفسلجية والعضوية عموما وفقا لقوة المؤثر وصلته بالحياة واستمرارها ووفقا لنظام الكائن الوشكل استجابته للمؤثر . والإنسان البدائي الذي يعتمد كليا على قوته البدنية وتعاضد العشيرة في استمرار يقئه حيا والذي أوجد معينا رمزيا للأب المفقود وغير الموجود فعليا إنما اضطر لإيجاد هذا الرمز ليسي بدواع حب الأب إنما لافتقاده دور الأب الحامي والفاعل والذي انطبع في أذهان جميع أبناء العشيرة ولعل شكل ونوع الرمز كان متصلا بنوع وشكل القوة التي يحتاجها ألأبناء في الدفاع عن أنفسهم وعن توفير مستلزمات العيش كالصيد مثلا .
إن الأب لعب دورا جوهريا في حماية عشيرة الأيناء بمختلف أعمارهم وجنسهم وموقعهم التراتبي فهو الذي تكفل بمطاردة الأعداء من أي نوع بشري أو حيواني وهو الذي يختار الأمكنة الآمنة للعشيرة كما إنه المسؤول عن قيادتها لصيد الحيوانات التي يأكلها أو التي تهاجمهم ، وبذلك فإن هذا الور كان له أثر عميق جدا في أذهان العائلة وقد بقي محفورا ومنتقلا إلى أذهان الأجيال الجديدة والتي رأت وعاشت دور أبيها ودخلت أزمة مماثلة لواقعة قتل الآباء .
إن موت الأب واختفائه عمليا لا يرضي ولا يلبي حاجات أفراد العشيرة للأمان ولا بد من إيجاد بدائل وبمواصفات محددة تشبه ما اشتمل عليه ذلك الأب المغدور .
ولعل ما كان يوازي الأب قوة وتسلطا هو الحيوان المعروف لدى العشيرة بالقوة والبأس والصراع الدائم مع العشيرة والأب بشكل خاص وهو إذن المرشح لأن يكون بديلا للأب ما دام موجودا دائما كنوع لا كفرد فالانسان البدائي كان يوحد كل الدببة في دب واحد ( وما زال هذا الفهم قائما لدى الأطفال ) لذلك فأن الرمز الذي سيتخذه يتميز بالخلود الوهمي عند الذهن البدائي كذلك فإن الأداة التي استخدمت لقتل الأب ستستخدم لقتل الحيوان وتكون أقوى منهما معا ولذلك هي حاضرة دوما في الحرب والصيد .
أن ثلاثية الأب والحيوان الرمز والسلاح الفاتك في تطورها سمحت للإنسان البدائي بالتنقل بعيدا عن مكان الشورنجا حيث اضطروا للصيد والقتال هناك وتحقيق الانتصار في كثير من الحالات مما كان يمثل داع مهم للعقل البدائي لأيجاد رمز قابل للإنتقال من محل إلى آخر وكان ذلك في القوة التي انتقلت للسلاح ولأشياء أخرى ساهمت في الثورة القديمة ، والتفكير بوجود قوة غير منظورة تتنقل بين الأب والرمز والسلاح هو خطوة أولى وكبيرة على مستوى التجريد وأختراع الأفكار الدينية اللاحقة .
إن تطور التفكير لدى الإنسان صاحبه ولادة قدرة دماغية على استعادة بعض الأحداث والمخاوف والأماني وبثها إلى الفص البصري لينتج ما نسميه بالأحلام مما شكل دفعة هائلة باتجاه تكوين المزدوج الروحي المادي في العقل البدائي وبالتالي بداية تكوين القدرة على تصور الكائنات غير المادية والمتخيلة دماغيا . ( وللتوسع في موضوع الأحلام يرجى مراجعة مقالات السيد نبيل حاجي نائف على موقع الحوار المتمدن)
ما جرى لا حقا من سن أعراف واتفاقات جاءت بمحرمات وممنوعات كثيرة مما شكل الوضع الاجتماعي للمجتمع البدائي ما قبل الطبقي والسؤال هو كيف استطاع الإنسان توليد هذا الشعور الداخلي المؤنب ؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

keyboard_arrow_up

جميع الحقوق محفوظة © عرب سوسيو- طلبة علم الإجتماع القنيطرة -

close

أكتب كلمة البحث...