المدينة والتمدن الاستاذ محمد مرجان
· المدينة ظاهرة سوسيولوجية:
يستعمل مفهوم التمدن غالبا لوصف مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية،ولهاذا يواجه السوسيولوجي اختلافا كبيرا في الظواهر الحالية التي تدخل في هذا الموضوع العام للتمدن(الانترنيت،السكن الفردي،الموسيقى،الضجيج ) وبالتالي القول بأن الحجم الديمغرافي للمدينة والكثافة السكانية يمكن اعتبارهما مؤشر حقيقي لمقاربة أوقراءة موضوعية للمدينة قد تسمح لنا بفهمها غير كافي لظاهرة التمدن ، لكننا اكتشفنا من الناحية السوسيولوجيا أن هذا الأمر لا يمكن اعتباره مكتملا لأن هذه الكثافة الفيزيقية لابد أن تكون مرفوقة بكثافة أخلاقية ،لإرتباط القوي للمدينة ليس كعمران وبناء وإنما كسلوك وهذا السلوك ضروري لتأسيس المواطنة المدينية ،(هذا التأسيس لابد أن يقوم على مجموعة من القيم :فيها ما هو اجتماعي وما هو أخلاقي وما هو سياسي وما هو ديني ، تلتقي كلها بشكل مضطرب لتساهم بكيفية واضحة في بناء الهوية الحضرية l identitee urbain).
[ الجغرافية البشرية ااكتفت بهذين المؤشرين لكن المفهوم السوسيولوجي خلخلت هذا المفهوم المستقر واعتبرته غير كافي لتعريف المدينة حيث قالت بأن الكثافة الأخلاقية هي أمر ضروري لأن الفصل الذي يقوم بين العالم القروي والعالم الحضري هو فصل لا يقوم على الأشكال المورفولوجيا ولكن يقوم أيضا على الثقافة المتبناة داخل هذا العالم وداخل العالم الأخرأن تكون الثقافة القروية هي الثقافة الحضرية هذا غير ممكن برغم بعض نقاط الإشتراك ، وعلينا نحن السوسيولوجيون أن ننظر الى هذه الخصوصية كمؤشر علمي لدراسة المدينة].
كيف نفهم المدينة؟ ما هو المؤشّر؟
· المؤشرات الإحصائية لظاهرة التحضر في العالم:
ظاهرة التحضّر اجتاحت العالم في نهاية الثمانينات. قدّرت الأمم المتّحدة السكّان الحضريين (انطلاقا من عتبة 5000 ساكن) بـ 50% من سكان العالم، مقابل 33% سنة 1950، و 250 تجمّعا سكانيا يتجاوز مليون ساكن مقابل 16 تجمّعا سنة 1900. ولكن أية حقيقة تكمن وراء هذه الأرقام؟. يبدو مفهوم المدينة صعبا تحديده الدّقيق. فإذا كان السكان هم المؤشر الحقيقي لتعيين المدينة، فإن مقياس الساكنة الحضرية المتجمّعة، يختلف من بلد إلى آخر. ففي الدانمارك، المدينة هي التي تتجاوز في عدد سكّانها 250 نسمة، و2000 في فرنسا، و 11000 في مصر، و 30000 في اليابان. مثل هذه الاختلافات في تحديد المدينة، تعكس مستوى التحضّر. إنّ مقياس السكان لا يمكن أن يكون مرضيا إلاّ إذا حدّدنا بكيفية دقيقة الحدود الفيزيقية للمدينة، على الرّغم من أنّ هذه الأخيرة تتغيّر بتغيّر الزمن والمعطيات الجيوسياسية.
· غموض مفهوم الكثافة السكانية:
استعمل مفهوم الكثافة لتعيين المدينة، لكن يجب الحذر من الطابع العلمي الظاهر لهذه العلاقة الكمية بين السكان ومساحة الأرض. هذا القياس يشرح أنماط احتلال المكان على اختلافها وتنوّعها. ولهذا يعتبر السوسيولوجي أنّ الكثافة la densité هي شرط ضروري ولكنها غير كافية لتحقيق الحياة المدينية. فحسب“ايميل دوركهايم”، تتميّز المدن بكثافة فيزيقية (علاقة السكان/المساحة) تنتج عنها كثافة أخلاقية للمجتمعات. وبمعنى آخر، مستوى توزيع القواعد والقيم المشتركة.
وحسبه دائما، إذا كان التنظيم الاجتماعي للمدينة مجزّءا، فإنّها لا يمكن أن توجد. لكن إذا كانت الكثافة الأخلاقية تسمح بالكثافة الفيزيقية، فالعكس ليس بالضرورة صحيحا. فالعديد من التجمعات السكنية كالمدن والأحياء الجديدة لا يسمحان رغم الكثافة الفيزيقية المرتفعة، بحياة اجتماعية مكثّفة. وعلى الرغم من محاولات المختصين في المجال الحضري من أجل تحقيق هذا الربط، فالتشابه يبقى في الغالب هو القاعدة. في حين تبقى الأحياء القديمة ولو بكثافتها كتجمعات سكنية. وعلى العكس، أتبثت بعض الدراسات الخاصة بالشبكات الإثنية والعائلية في المدن، أن التّقارب الاجتماعي يمكنه أن يعبّر عن تقارب مجالي، بمعنى تجمّع مجالي مهم في حي داخل المدينة.
· تنوع المقاربات السوسيولوجية للمدينة:
1- سؤال عن تاريخ المدن ؟ . كيف انبثقت المجالات المدينية ؟.
+ يقول ابن خلدون : المدن لا تنشأ الا من قدرات بيئية واستراتيجية وديموغرافية تسمح بنموها (التجمعات البشرية لا يمكنها أن تنموا الا في أوضاع موضوعية مادية وفلاحية واقتصادية ).
ولمعرفة تاريخ المدن نحتاج الى نظرة دياكرونية :التاريخ يقول بأن المدن تدرجت من القرية الى المدينة ، كسوسيولوجيين نقول لهم هذا أمر مغلوط .الأصل في البداية المدينة ، نحن لا نعرف في التاريخ ولا في الأنثروبولوجيا وجود تجمع انساني فوضوي ،كل التجمعات السكنية انتظمت في نسق سكني كانت فيه السلطة ،وكان فيه التنظيم الاجتماعي وفئات اجتماعية ، في شكلها البدائي ثم سوف تمتد .
بير كلارك" انثروبولوجي "المجتمع ضد الدولة (لا نعرف تجمعا بشريا خلى من مدينة و تقسيم العمل وسلطة هذا الأمر ) المدينة هي التي ستخلق القرية.
في . الرومان "خط اللمس"هذا مجال حضري وهذا مجال قروي " نحن أمام تشكيل حضارة مدينية مهيمنة ،هي التي وزعة العوالم "الأصل المدينة " الكليانية " هي التي تتصف بها المدينة لأن ثقافتها مهيمنة على الريف والضواحي ، خلق هذه الثقافة المتمركزة وإعطاء هذا النوع هو الذي يجب الإنتباه اليه . [المدينة نتاج رجل اقترف جريمة في حق أخيه وبالتالي سوف تلحق هذه المدينة باللعنة ، فكل المدن ملعونة في الأساطير بدليل أن جميع المدن تعرضت للطوفان وغضب الألهة كما حرقة روما وبغداد .. وكأنها لعنة أبدية " تفسير ميتودولوجي]
-> نحن أمام تصور خطي لتاريخ المدن يحيل كل هذه البناءات الى نموذج اجتماعي هو الذي يتحمل استمرارية هذه المدينة من عدمها.
+"Henri Lefebvre " الحق في المدينة" هناك طفرة وتحول في الاهتمام بهذا العلم وثقة بأنه يجب أن يتحول الى علم أساسي في دراسة العلوم الإنسانية :لأن الساكنة تتحول في مكوناتها ولم تعد تدين بجدورها وبانتماءاتها القروية وانما أصبحت تنتمي الى عالم المدن "نظرة التناضذ في المغرب 50° بين سكان القرية والمدن"
-> مايهمنا كسوسيولوجين ومن هذه الزاوية لماذا ظهرة هذه المدينة بالضبط؟ وفي هذه الأوضاع؟ وفي هذه الظروف التاريخية ؟وبأي شكل من الاشكال ؟
2- كيف تنشأ المفارقات الإجتماعية واختلاف القيم العقارية بين الاحياء؟
حينما نجد أنفسنا محاصرين بمفاهيم جديدة لا نعرف قيمها ولا كيفية تطبيقها على المجتمع تكون اللخبطة مزدوجة، من هذا المنطلق ينبغي ان نعرف أولا كيف تنشأ الفروقات الاجتماعية بين الناس ؟
ليس من السهل تحديد او امتلاك اليات وميكنزمات تحديد او كيفية تولد الطبقة الاجتماعية ، المؤشرات التي تدل على وجود الطبقة هي مركبة يجب ان يكون فيها التعليم والصحة الكل يتدخل في القيم الاجتماعية ،هذه اللخبطة في تحديد الطبقات تنقلنا الى لخبطة أخرى : كيف تنشأ طبقة وكيف تموت طبقة ؟
+ حينما ناتي الى مسالة الفقر " le play » أسس مفهوم سوسيولوجيا العائلة " قال الفقر يصيب الطبقات الكادحة اكثر مايصيب الطبقات الغنية ، الان مفهوم الفقر لم يعد مرتبط بالطبقات البلولتاريا فقط ، فاغلب الطبقات المتوسطة عرفت الفقر.
3- لماذا تتعين الأمكنة الرسمية من الادارات والوزارات والمقاولات الكبرى مجالات مشتركة ومتجمعة ؟
نجد مثلا: حي وزاري حي صناعي ,هل يخضع لمنطق اقتصادي ؟أو الى استراتيجة للتخطيط لدعم وإنتاج هذه الفروقات الاجتماعية ؟ الا تدخل في منطق التوزيع وإعادة التوزيع للخيارات والخدمات ؟
نحن نتبنى النظرة التبسيطية ، لا يمكن ان نسلم بالامور التي تسمح بتوزع المجال بأنها أمور مجانية ، بل تخضع في الغالب الى استراتيجية معينة ، هي التي يجب تفكيكها ، والعمل على ادراكها حتى يمكننا ان نعرف الاختلالات التي تطال المجتمع .
4- ماهو دور السلطة والسلطات المضادة داخل المدينة ؟
ماهو دور العمالات والمنتخبين والمجالس البلدية في إقرار سلطة او تلاشيها ؟ماهو دور الدولة في هذه الاستراتيجية؟ كل هذه الأمور تدخل في اطار تأسيس السلطة الاجتماعية , المدينة الان بعمرانها وبنياتها تدفع فضاءات حرة الى التلاشي والانزياح . وكأن المدينة تنغلق على نفسها حتى لا تسمح للفرد ان يمارس حريته الشخصية لممارسة أنشطة الرياضية ، اصبح الانسان يعيش نوعا من التحنيط في دائرة سكناه (تركت له فقط العاب الكترونة التي ليست من أساليب التنشأة بل افسادها ، لانه لا يمكن مراقبتها جمعيا كما كان في الحومة )يجب ان يكون لدينا وعي حقيقي بمكانة المدينة
أسئلة خطيرة تمس ببنيات ومآل المجتمع :
المدينة هو ذلك الكيان من أجل الاستقرار من أجل تشكيل الكائن الحضري ،وهو حقل ملغم vugarisation لانها حتى في التحليل الميتولوجي امر غير محمود ، وحتى ان كانت الحداثة تعطينا الوهم بان السكن و الاستقرار هو الأصل الحقيقي للمدينة . المدينة عند تاسيسها حملت امراضا اجتماعية ونظرة استراتيجية يجب تحليلها وتفكيكها من اجل ادراك هذه الأمور .
· المدينة نتاج إقتصادي وإجتماعي :
أوّل فكرة تطالعنا حينما نعمل على التعريف الاقتصادي للمدينة هو اختلافها مع العالم القروي. فالمدينة تتميّز بتركيز السكان وترسيخهم، وكذلك المنتوجات والمقاولات والمرافق الاقتصادية الأخرى. في حين تعرف هذه الأمور تشتّتا واضحا على مستوى العالم القروي. لقد حرصت المدرسة الماركسية على القول بأنّ التعارض بين المدينة والقرية، هو انعكاس لتعارض أنماط الانتاج الاقتصادي (اقتصاد الاستهلاك النقدي، واقتصاد المقايضة). هذا الطرح يرفضه المؤرّخ ‘’بول بايروخ ‘’Paul Bairoch. فانبثاق المدن في رأيه لم يكن ممكنا إلاّ في إطار توزيع معيّن للفائض الزّراعي. لكن المدينة ليست في الحقيقة عالة اقتصادية. (عالة اقتصادية: المدينة شرايينها واقتصادها عالة على القرية. نظرة قائمة منذ الأزل”هذا في المغرب). بل هي عنصر تجديد ما دامت تسهّل انتشار التّعامل النقدي في المجتمع، وتحقيق الحركية في المجتمع. والمعادلة بين العرض والطلب بالنسبة لليد العاملة المؤهلة، وتوسيع فرص العمل في قطاع الانتاج الزراعي والصناعي. تحيل هذه المقاربات الاقتصادية للمدينة على سؤالين سوسيولوجيين مهمّين:
تبدو المدينة كظاهرة اقتصادية أو شكل اقتصادي ذو بعد مرتبط بتجميع المقاولات والسكان. هذا التجميع وهذا التقارب المجالي يسمح بتخفيض الأثمنة، وبتويع الخيرات وبتقريب العرض والطلب من المنتوجات والمواقف الإنسانية المتخصّصة.
ماكس فيبر اعتبر المدينة ككيان سياسي وإداري مكلّف بتسيير اقتصاد سياسي حضري يتميّز برغبة وإرادة التزوّد المنتظم بالمعيشة، أي بالأكل، وتبخيس الأثمنة، واستقرار نشاط المنتجين والتّجّار.
اليوم، اعتبار المدينة كنتاج اجتماعي واقتصادي، يحيل أوّلا وقبل كل شيء على المسألة العقارية.والحقيقة يمكننا التساؤل عن الكيفية التي يتمّ بمقتضاها خلق القيم العقارية المؤثرة لاحقا على ظواهر توزيع الجماعات الاجتماعية والأنشطة الاقتصادية داخل المدينة.
إنّ بناء التجهيزات الراقية والبنيات التحتية المتطوّرة، ألا يعملان على تغيير التّصوّر حول المجال الحضري، وبالتالي الرفع من قيمته في السوق العقارية؟ هذا السؤال يقودنا إلى التساؤل عن دور العناصر الخصوصية أو العمومية المشاركة في الإنتاج المادّي للمدينة (بناء العمارات، شبكات النقل والطرق....الخ) وحول الكيفية التي يتفاعلون أو يتفاوضون من خلالها.
يمكن اعتبار المدينة كنظام تترابط وتتفاعل فيه الأنشطة الاقتصادية والمؤسّسية. إلاّ أنّ ديناميات التطوّر تختلف حسب المدن. خاصّة حينما نركّز على (القاعدة الاقتصادية). خلال الستّينات، ميّز الجغرافيون والاقتصاديون والمخطّطون بين المدن حسب عدد النّاشطين العاملين بوظائف الثّراء والغنى (الصناعية، التجارية، السياحية، المالية). أو الخدمات (الإدارية، التعليمية، الصحية، الدينية). أو الإبداعية والتواصلية (وسائل النقل، المواصلات، الإنتاج الفكري). لقد سمح هذا التصنيف بالكشف عن هشاشة المدن ذات النشاط الواحد أو الأحادي’’‘’mono activité.
إنّ إغلاق مؤسسة واحدة يمكنها أن يؤدّي إلى خسارة الشركاء ورفع مستوى البطالة بشكل حاد وترحيل عدد من السكان وانخفاض كبير في أثمنة العقار وتقليص ميزانية الجماعة الحضرية وتدنّي الخدمات العمومية.
إنّ قضية القطاع القطاع (الثالث) غير المهيكل، وقطاع الخدمات ذوي الأهمية المتزايدة حاليا في العديد من المدن تتطلب منّا توضيحات: فهل يتعلّق الأمر بقطاع ثالث عمومي أم خصوصي؟ بالخدمات العمومية أم الخدمات للعموم؟ خدمات للأسر أم خدمات المقاولة؟ روبير كستيل Le travail du non travail. المدينة يجب التفكير في اختلالها وليس التفكير في التناغم والتجانس.
تقترح كل من بيير بكوش، وفيليكس دامت، شبكة جديدة لقراءة ودراسة نظام الإنتاج والفئات السوسيوثقافية مع اعتبار خاص للإنتاج النظري والرّمزي ( التنظير، البحث، التدبير، الماركوتينك، تسيير المقاولات).
هذه المعطيات المهمّة تمنح إمكانيات وأطر لتسهيل دراسة تقسيم العمل داخل المجال. بالإضافة إلى وجود شبكة من المدن المتكاملة والمتنافسة. كما تسمح أيضا بدراسة استراتيجيات الشرائح الاجتماعية الغالبة محلّيا، وبالتالي توضّح ديناميكيات التنمية الحضرية. دراسة مثل هذه الديناميكيات الوظيفية يمكنها أيضا أن تهتمّ بدراسة المستويات الحضرية المتوسطة، كالأحياء مثلا. والحقيقة أنّ العديد من القطاعات داخل المدينة تقوم وبدرجات مختلفة بوظائف محدّدة بالنسبة لباقي مكوّنات المدينة. مثلا، التخصص في الأنشطة غير المهيكلة أو غير المنظّمة أو الإنتاجية أو السياحية أو السكنية. بعض الأنشطة يمكنها أن تتأسّس ضدّا على رغبة السكان. إنّ القطاع الثالث في الإدارة مثلا، التجارة الكبرى في بعض الشوارع الرئيسية. السؤال: هل يمكننا أن نتساءل حول أهمّية النظرة التكنوقراطية لمفهوم تقسيم المناطق Zoonage.. Corbozier..(التفريق المجالي الجذري بين الأنشطة والسكن. والمقترحة من المعماري Corbozier، تتحقّق الآن بكيفية فعلية).
· المدينة كفاعل منتج للثقافة :
هل يمكننا أن نتساأل حول أهمية النظرة التقنوقراطية لمفهوم تقسيم المناطق؟ « zoonage » المقترحة من قبل المعماري ‘’لوكوربوزييه ‘’ : لتفريق المجالي الجدري بين الأنشطة والسكن .
-إنّ الرّؤية العقلانية والميكانيكية لحركة التطوّر المديني تتواتر في التاريخ. فبعد الحرب العالمية الثانية، نوقش برنامج’’ ‘’Lecorbozier بشكل واسع: على المدينة أن تسمح بالسكن والعمل والتجوّل والترفيه ولتعلّم...الخ. والواقع أنّ تجارب التحضّر العديدة أتبثت أنّ التصوّر التكنوقراطي للمدينة الآلة، يصطدم بثقافة السكان في البرازيل، تمّ بناء مدن القصدير في ظل السكن الحكومي الذي رسمه أوسكار نييميير Oscar Niemyer’’ “على الرّغم من إقامة المدن التابعة من طرف السلطات العمومية في مناطق أخرى استعاد السّكّان المحلّيون لمعمارLeCorbozier’’ ‘’وحوّلوها حسب الطبيعة المحلّية لمجتمعاتها. هذه الاختلالات تبرّر تدخّل السوسيولوجيين المكلّفين بتفسير العلاقات بين هذه المدن الجديدة والثقافة الحضرية التي تغذّيها.
إلا أنّ المدنبوصفها أشكالا مجالية، هي في النهاية تعبير عن الثقافات التي تنتجها. إنّ المديني الأوروبي يمكنه أن يجد ذاته في العديد من مدن قارّته. المهم أن يعرف البنية والتصميم النموذجي لهذه المدن( محطّة القطار، الكنيسة، المركز، الفندق). بل حتّى أولئك الذين ينتجون ويصمّمون المدن، (المهندسون المعماريون والمخطّطون)، لا يتخلّصون نهائيا من تمثلاتهم وتصوّراتهم الخاصّة بالتحضّر.
فالمدينةكمنتوج ثقافي، يمكنها أن تتحوّل بدورها إلى عجينة ثقافية، وبالتالي تصبح -عقلية- . إنّ الافتراض الذي يعتبر المدن كمنتجة للثقافات أو الثقافات الفرعية المدينية أصبحت متجاوزة. تعتقد أن أشكال العيش والعمل والاستهلاك تنتج فقط عن أوضاع ووضعيات الوسط الحضري. نحن نعلم أنّه منذ سنة 1887، وصف“فردناند طاونس” التحضّر بكونه انتقال من الجماعة القائمة على روابط الدّم إلى المجتمع المنتظم حول قاعدة التعاقد. في حين سنة 1903، ميّز “جورج زيمل” داخل سيرورة التحضّر حركة لا تنشيئية للأفراد تقوم بنزعهم من الوسط العاطفي للتنشئة الأولية.
هؤلاء الكتّاب يقابلون المجتمع القروي القائم على التضامن الموروث عن الشعور بالانتماء المشترك للمجتمع الحضري القائم على التوافق وتنسيق المصالح العقلانية التي يدبّرها القانون المكتوب وغير الشخصي. نفس المقاربة تقريبا نجدها لدى” إيميل دوركهايم” غير أنّ هذا الأخير يؤكّد على أهمّية تطوّر تقسيم العمل الذي يساهم في تباين واختلاف الأفراد حسب وظائفهم. إنّ انتقال المجتمع المؤسس على التضامن الميكانيني إلى مجتمع يقوم على التضامن العضوي فعلا، يجعل الأفراد أكثر استقلالية، ولكنّه ينزعهم من قيمهم المشتركة.
في الولايات المتحدة، الاتجاه الثقافوي تمثّله “مدرسة شيكاغو” في العشرينيات اهتم أصحاب هذه المدرسة بالثقافات الفرعية الجماعية في الأوساط الحضرية. وجاء اهتمامهم بالمهاجرين اليهود والإيطاليين والمنتمين “لبورطوريكو” في سياق الحرص على إدماجهم.
أمّا في فرنسا وإنكلترا، فالموقف الثقافي أو الثقافوي فسح المجال لدراسات حول الأحياء الشعبية بوصفها مجالات ثقافية، بينما عبّرت التجمّعات السكانية عن أنماط العيش الخاصّة. لقد عارضت هذه التيارات الثقافوية، التصوّر التيكنوقراطي للمدينة، والذي لا يهتم لا بالتجمعات ولا بتاريخها. كما سعت في نفس الوقت إلى توضيح خصوصية بعض الأمكنة، وظروف امتلاك المدينة من طرف المجموعات الاجتماعية، بالإضافة إلى تشخيص حاجياتهم الحضرية والمادّية. كما أكّدوا على أهمّية المجال المبني باعتباره عنصرا مؤسّساً ومكوّناً للتجمّعات السكنية. شاركوا أيضا في المطالبة بمدينة مؤنسنة. “Humaniser la ville ‘’. وهذه الدعوة في أساسها هي نسخة مصغّرة للأيديولوجيات المضادّة للترييف ، والمضادة للتّمدّن على غير أساس منطقي كما ظهرت في فرنسا. وهنا نلامس سؤالا مهمّا مع الافتراض الضمني للتّأثير المباشر لمجالات المدن أو الضواحي على السلوكات الترويحية أو المنحرفة للأفراد.
إنّ الحس المشترك هو غزير في هذا الاتجاه كما يتوضّح من خلال العديد من الموضوعات المشتركة مع التّمدّن، مثل( الثقافات المدينية، الموسيقى، الفنون الجميلة، الرياضات، الرقص...الخ) أو العنف المديني الذي تغالي فيه وسائل الإعلام.
حقيقة أنّ الظروف المادية تكون مساعدة أحيانا على تطوّر الثقافات الموسيقية الحضرية. مثلا: ردهات الميترو الباريسية. لكن في الغالب لا تبدو المدينة السبب الرئيسي في ظهور هذه الوقائع الاجتماعية. حينما يتعلّق الأمر بالانحراف، تفرض المدينة نفسها في خطابات الفاعلين العموميين والصحافة. منذ سنة 1985 يتطوّر في انكلترّا أسلوب تمدّني أمني يسعى لإزالة المجالاات العمومية التي تُعتبر في نظر الجماع إجرامية’’ ‘’Criminogène
· المدينة شكل اجتماعي:
توزيع أمكنة السلطة والأنشطة المختلفة، التمييز بين المجالات السكنية والاقتصادية، أشكال السكن والعمران، هي تعبير مجتمعي عن قواعده وقيمه وعاداته. لقد تساءل كل الذين تدخّلوا في عملية إنتاج المجال حول الكيفية التي يدعّم بها الأخير أو يهدّم الجماعات الاجتماعية التي تسكن به، أو تسعى للإقامة فيه.
يرى أحد روّاد السوسيولوجيا الحضرية موريس هالبواخ أن المجتمع يتسلّل إلى العالم المادّي، كما يجد فكر الجماعة في تلك التمثلات والتّصورات والرّؤى التي تأتيه من الأوضاع المجالية مبدأ توازنه واستقراره. وهكذا تتأسّس علاقة متبادلة بين توافق المجموعات الاجتماعية والمجال المنتًج.
فبعد دراستنا حسب نظرية هالبواخ للعلاقات القائمة بين اندماج الجماعات الاجتماعية المختلفة والمدينة، سوف نفحص هذا التصوّر بالنسبة لثلاث مجالات معاصرة: المجموعات الكبرى, منطقة المباني الصغرىPavillonnaire’’والمراكز التقليدية القديمة.
· المورفولوجيا الاجتماعية لموريس هالبواخ:
دافع موريس هالبواخ عن أطروحته في القانون، والتي أصبحت الحجر الأساس في حقل السوسيولوجيا الحضرية تحت عنوان ( نزع الملكيات وثمن الأراضي في باريس 1860-1900 ). كما أصبح بعد تقديمه لأطروحته في السوسيولوجا والتي تحمل عنوان ( الطبقة العاملة ومستويات العيش: بحث في تراتبيات الحاجيات داخل المجتمعات الصناعية المعاصرة ).
من المتخصّصين في الميزانيات العمّالية، فريديريك لوبلاي (قام بدراسة سوسيولوجية لميزانية الأسرة). اندمج في فريق الحوليات السوسيولوجية سنة 1904، والذي كان يقوده أيميل دوركهايم، انتخب سنة 1944 أستاذا بكوليج دوفرانس ليدرّس علم النّفس الجماعي. وتوقّفت المسيرة العلمية المشرقة لهذا المقاوم والمفكّر السوسيولوجي العتيد في 20 غشت، تاريخ ترحيله إلى أحد مراكز الاعتقال الألمانية. (إنّ الفوارق بين المدينة والقرية ستختفي تدريجيا، وستتوزّع المساكن وتنتشر إلى حدود اجتياحها للقرى، والتي سوف تنتعش بدورها نتيجة علاقتها الوطيدة بالمركز).
· السوق العقارية انعكاس للتمّثلات المشتركة للمجال:
نجده يتحدث عن السوق العقارية التي هي "انعكاس للتمثلات المشتركة للمجال" بالنسبة هالبواخ حيث يقول :يؤثر التنظيم المجالي على المجتمع من خلال الطريقة التي يفهم بها هذا الأخير " وليس فقط كإكراه مادي وفيزيقي" هكذا القول أن نوع التفكير أو التصور المشترك الذي يمكن وصفه بالمعطى المباشر للوعي الإجتماعي.. والذي يحيلنا على المشاعر والعواطف المشتركة للمجتمع ،إلا أن إنتاج المجال الحضرييحيل بصفة خاصة على السوق العقارية فمستوى ثمن الأرض قروي أو حضري هو محدد قوي في توزيع المجموعات الإجتماعية في المجال ،وهكذا يبدو أن تحليل وتفسير أثمنة العقار قضية أساسية بالنسبة للسوسيولوجي ،ولكن يجد هذا الأخير ضمن المجال الحضري ظواهر تتجاوز النظرية الإقتصادية الكلاسيكية القائمة على التوافق بين العرض والطلب لأنها تقوم أيضا على ثمن الوعي الذي يستند على طبيعة تمثل المجال الذي يحمله الفاعلون ضمن مخططات واستراتيجيات التهيئة ،مثلا ماسيكون عليه هذا الشارع أو ذاك .وبالتالي إن التدخل العمومي للدولة أو الجماعات المحلي سوف يغير كثيرا المعالم في نطاق اعتباره مساهمة في التحول التدريجي لطبيعة الأرض . وهكذا فتجهيز المدينة بشبكات النقل يرفع عنها الحصار ويعلي من شأنها مثل هذه الأفكار يحملها مؤلف هالبواخ
اعطى مثال بالتحولات العميقة الموجزة في باريس مابين 1854-1870" التي احداث الفجوات والإختراقات ،وعمليات التوسيع الكبرى للطرقات " شكلت موضوع مهما للنص التاريخي على العموم. حيث ترجع الإصلاحات الخاصة بالواجهة التجارية والمادية لمدينة باريس الى سلطة العمدة ( أثناء حكم نابوليون) وقد كانت أهدافه حسب ما اقترحه في سيرته الذاتية تسعى الى تعديل وإصلاح حركة السير والنظافة وقمع التظاهرات الشعبية ،ودعم رجوع البرجوازية ، وباختصار نحن على مايبدو أمام قرار سياسي يحمله رجل واحد متسلحا بالوسائل التقنية والقانونية بكيفية استثنائية .
-> هكذا يرى " موريس هالبواخ" أن المجتمع يتسلل الى العالم المادي كما يجد فكر الجماعة في تلك الثمثلات والتصورات .
-ماذا يمكن للسوسيولوجي أن يضيفه بالنسبة لهذه البديهية المشتركة؟ لمعاكسة الإتجاه العام والمشترك "يطرحها هالبواخ فرضية القرار الاداري لنزع الملكية هو في أساسه نتيجة لمجموعة من القرارات المرافقة ،وبالنسبةهالبواخ حسب رأيه يستجيب هذا العمل بدون وعيه الى حاجيات وضغوطات مشتركة . ولتأكيد هذه الفكرة يصنف هالبواخ الأسباب الخاصة بإنشاء الطرقات الجديدة وبعدها يدرس التعمير بباريس حسب الأحياء من سنة 1836 الى حدود 1900. أما ربطه بين تنقلات السكان وتخطيط الطرق فتدفع به الى التميز بين )طرقات السير وطرقات التعمير(
- في الحالة الأولى تنشأ مسألة الإختراقات Percée(مثلا نقف بين الجامعة ومحطّة القطار)حينما يرتفع عدد السكان في أقصى طرفي الطريق بزمن قليل قبل إنجاز الإختراق .
- في الحالة الثانية الطرق المفتوحة هي نتيجة للأحياء المتزايدة تدريجيا في عدد ساكناتها , وهكذا حسب هالبواخ لايمكن للحركات العامة والغامضة ولا للمبادرات الفردية أن تفسر تطور باريس سواء في شكلها أو في بنيتها المادية ،وبالتالي تبدو المدينة كتعبير عن الحاجيات الجماعية المشتركة .
الجزء الثاني من أطروحته يحلل هالبواخ وبدقة متناهية المعطيات الخاصة بثمن الأراضي فيعزل المتغير الخاص بثمن البناية وثمن مواد البناء وكلهما يسمح بملاحظة تكوين ثمن الرأي حول قيمة الموضع أو المكان الحضري فكل موجة من موجات نزع الملكية الممتدّة، أي العرض المفاجئ للأرض يؤدّي إلى ارتفاع في الأثمنة. وهو ما يبدو منطقيا بالنظر للحاجيات الاجتماعية المشتركة التي تلبّيها. إذن فالبائع يحدّد ثمنه حسب التّوقّع، وحسب الأرباح التي سوف يجنيها من المشتري. وعلى هذا الأساس ينحصر التطوّر الحضري بيد المضارب العقاري الذكي الذي يعرف مسبقا أنّه وبسبب التطوّر المتنامي، يجب خلق قيم جديدة، وتخطيط أحياء جديدة، وبناء منازل جديدة من أجل تلبية الحاجيات الجديدة.
تتطلّب ممارسة مثل هذا التوقّع ضرورة وجود نوع من الحساسية الحضرية. ولكن على الأخص كما يشير أحد الباحثين، إنّ حسابات المضارب العقاري نادرا ما تغفل في تقديراتها اعتبار أشغال التهيئة العمومية، والتي يمكن أن تنتج أرباحا خصوصية. إنّ تفعيل أطروحة موريس هالبواخ تتطلّب اعتبارا وتقديرا عمليا للمجال الثقافي والحضري. فبعد عشرات السنين من طبع أطروحته، طُرح مشكل التخطيط في باريس كما في البلدان الأوروبية الأخرى بحدّة كبيرة. ففي فرنسا، التوسّع الحضري غير المضبوط، دفع بالجماعات البلدية إلى مواجهة جحافل المنازل الصغرى والعفوية التي تكاثرت في ما بين الحربين. في المنطقة الباريسية، تكوّنت ضاحية من الأكواخ ومدن القصدير بنيت بسرعة من طرف محاصصين (عمّال بناء) بدون ذمة شرف.
‘’المدينة كعالم مقلوب’’ بيير بورديوو
نجد اليوم – وبكيفية ما – هذ التسلسل في إطار نقدي بمصطلحات العلاقات الاجتماعية في الأعمال الخاصة ببورديو، والذي يرى في المجال الفيزيقي، انعكاسا للمجال الاجتماعي. يقول بورديو: " يجنح المجال الاجتماعي إلى إعادة التّمدّد والتّوسّع بكيفية مشوّهة في المجال الفيزيقي، وذلك عن طريق ترتيب وتنظيم معيّن للأماكن والمواقع والخاصيات. ". ضمن هذه المقاربة، يظهر المجال كعالم اجتماعي مقلوب. أي، كأنّه نوع من الانعكاس التام لبنية المجال الاجتماعي. هذا الأخير يعبّر عن نفسه بالتعارضات المجالية. فوق/تحت. يمين/يسار. الداخل/الخارج. والتي ليست في النهاية، سوى تثبيت للجماعات، وتركيز لها داخل المجال، وداخل لغة التعارضات الاجتماعية. وبهذا المعنى، تتحوّل السوسيولوجيا الحضرية إلى طوبولوجيا اجتماعية. أي، دراسة التوزيع الاجتماعي للعناصر الاجتماعية حسب خاصيتهم المتمايزة ضمن المجال الفيزيقي.
وإلى حدود 1919، لم تتوفّر البلديات على الوسائل القانونية لتشريع البناء فوق أراضيها، وكذلك تهيئة الأراضي. وفي غيبة لعملية التطهير ووجود وسائل النقل، تكوّنت طبقة سوسيوسكنية هربت من التّكدّس والثمن المرتفع للبناء والدور البارسية الصغرى، كما ساهم تطوّر شبكة السّكك الحديدية في هذا الواقع، وسمح لهذه الطبقة بالابتعاد عن العاصمة( كيف تتكون الضواحي ) "الحدر الابستمولوجي". وهي التي شكّلت فيما بين الحربين حركة
‘’ ‘’Les mal-lotis (الساكنين في أوضاع مزرية)، والتي قدّرت آنذاك في 140000 عائلة. هذا النوع من المشاكل أفرز حركة لصالح التخطيط الحضري، ناضلت من أجل أن تتحكّم البلديات في امتداداتها الترابية بفضل مخطط تقديري يرسّخ حدود البناء بالنسبة لأراضيها.
ضمن هذا النقاش، اقترح موريس هالبواخ مشاركة السوسيولوجيا في التقدير والتنبّأ بالحاجيات المشتركة والضرورية بالنسبة للأطروحة المتعدّدة الاختصاصات، وهي تلك التي نسمّيها التمدّن او التحضر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق