1/ مقدمة
إن دراسة علم الاجتماع للدين جزء لا يتجزأ من الجهود البحثية العديدة لفهم الظاهرة الدينية وما يحيط بها من خصوصيات وملابسات ولعل الدراسةالفلسفية واللاهوتية هي أول الدراسات التى تصدت بشكل علمي لها وأدت إلى ردود فعل متناقضة ما بين الاتفاق التام أوالصد والتشنج والوصف بالزندقة ورغم هذا فقد ظل الدين تجسيد لأعلى وأسمى الطموحات الإنسانية فالقيم الدينية ليست قيما مطلقة فحسب بل هي قيما إنسانية تهدف إلى السمو بمكانة الأفراد والجماعات حتى وان وصف أحيانا بانه مؤشر سلبيا لتقدم المجتمعات وتطورها خاصة عندما يكون عاملا مشجعا للتعصب وعدم التسامح وتفشى الجهل والخرافة لذلك يرى العد يدون انه لا يمكن فصل مسالة الدين عن المجتمع او اهمال دوره الهام فى تغيره فالدين كنقطة محورية فى فكر المؤسسين لهذا العلم رغم ان كلاهما قد اصطدم كثيرا .فما هو الجديد الذي جاء به هدا العلم الجديد ؟
المبحث الأول : مفهوم الدين و نشأته
المطلب الأول : تعريف الدين ( مفاهيم / مصطلحات )
تعريف الدين:
لا يوجد للدين تعريف واضحوثابت هناك العديد من التعريف للدين ، وتتصارع جميعها على محاولة أشمل و أدق تعريف لكن في النهاية مثل هذا الموضوع يخضع لإيمان الشخص الذي يضع التعريف و بالتالي يصعبوضع تعريف يرضي جميع الناس . فالدين يتناول واحدة من أقدم نقاط النقاش على الأرض ،و في القدم كان النقاش يتناول شكل و طبيعةالإلهالذييجب أن يعبد ، أما في العصر الحديث فيتركز النقاش أساسا حول : وجود أو عدم وجودإلهخالقتتوجبعبادته. لذلك نجدمن يحاول تعريف الدين من منطلق إيماني،روحاني،يقيني ، أو من منطلق إلحادي، أومن منطلق عقلاني يحاول دراسة الدين كظاهرةاجتماعيةأونفسيةأوفلسفية.
علماءالاجتماع ينظرون إلى الدينعلى انه مجموعة مجردة من القيم والمثلا والخبرات التي تتطور ضمن المنظومة الثقافية للجماعة البشرية. فالدين البدائي كان من الصعبتمييزه بنظرهم عن العادات الاجتماعية الثقافية التي تستقر في المجتمع لتشكل البعدالروحي له .
شرح بعض المفاهيم والمصطلحات:
1- المعتقد:
.حكم او رأى او اتجاه يتعلق بالواقع الاجتماعي حيث يعتنقه الفرد باعتباره صحيحا ويلاحظ هنا مفهوم المعتقد عن مفهوم القيمة التى تعرف بانها نسق شبة مقنن يستخدمه الفرد فى قياس وتقدير المواقف الاجتماعية ,ويعتمد تحديد المعتقد على الملاحظة الامبيريقية والمنطق ويشار الى المعتقد على انه حكما يتناول الواقع .
2- العبادة :
.لهذا المصطلح ثلاث استخدامات هى
*يعرف بعض العلماء انثربولوجيا العبادة بانها محطة للنظم الدينية فى المجتمع,وخاصة فى المجتمعات المتاخرة
*يصفها البعض الاخر بانها بناء من المعتقدات والممارسات المتعلقة بالاله او بعد الاله.ولذلك فهى تشكل نوعا من النظام الدينى
*على حين نجد بعض العلماء الاجتماع يقصرون استخدام هذا المصطلح على عبادة
الاقليات الدينية
3- العبادة في الاسلام :
..العبادة فى الاسلام وكذلك فى الاديان السماوية الاخرى لها الشان الاول بين الفرائض والواجبات ,ففيها يقر المرء اقرارا كاملا بقلبه ولسانه وجوارحه كما يتاكد خضوعه خضوعا كاملا لله الخالق الباقى من وراء كل وجود زائل ,وقد جعل الله العبادة واجبا مفروضا على خلقة من إنسان او جان ونبات وحيوان فما من شىء فى الوجود الايسبح بحمده ويقدس له
4- الملة " طائفة دينية" :
هى جماعة ذات مذهب دينى خاص من المذاهب الدينية العديدة فى المجتمع
5- الذنب :
....نوع من انواع القلق الناجم من احساس الفرد بخروجة عن القيم والمعايير الاجتماعية المتفق عليها ,ويلاحظ ان الاحساس بالذنب لا يعتبر نتيجة لعدم كفاية الفرد او فشلة وانما يرجع الى وجود قيم ومطالب متصارعة اى انه انعكاس لعدم الاتساق فى بيئة الفرد الثقافية والاجتماعية
6- الوحدانية :
معتقد يقوم على ان هناك الها واحدا يسمو وجوده عن الالهه الاخرى القائمة ومن ثم تتحتم عبادته قبلها جميعا .ومعتقد الوحدانية يختلف عن عقيدة التوحيد التى لا تعترف الا باله واحد يعبد وحسب
7- تدين :
...ويعنى الاهتمام بالانشطة الدينية والمشاركات فيها ويعنى ايضا مجموع انماط السلوك والاتجهات التى يحكم عليه الفرد باعتبارها دينية فى جماعة او مجتمع معين
8- الطقوس الدينية :
...هو التخلص من الشعور الذى لا ترضى الكائنات المقدسة والتى هى اساس الدناسة والوسيلة الى ذلك هو التطهر والتكفير عن الخطيئة والاعتراف وتختلف الاديان فى تحديد الطقوس والشعائر المؤدية الى تحقيق هذا الهدف
9- الطائفة الدينية :
.وهى جماعة تقوم على اساس الاشتراك فى عقيدة او مذهب دينى مستمد من تلك العقيدة ولذلك فهى جماعة متماسكة ,العضوية فيها تطوعية اكثر منها الزامية
10- التطرف الديني :
لقد ادى التعطش الدينى لدى الشباب .وكذلك فى حالة الفراغ والضياع الدينى فى كافة المجتمعات ونتيجة لفشل التكنولوجيا وحدها فى ان تكون هدفا للحياة الاجتماعية ,وفشل الحضارة المادية فى ان تقدم المحراب البديل عن المسجد والكنيسة والمعبد ,والمتطرفون هؤلاء من جميع الاديان ليسوا فى الواقع على دين سوى دين انفسهم فهم عابدون لذواتهم وتصوراتهم الشخصية وليس الله الواحد الداعى الى التواضع والمسالمة.
إن علم البحث في نشأة الدين أو ما يسمى بعلم الاجتماع الديني هو علم حديث نسبيا فهو لم يبدأ إلا في القرن التاسع عشر, وكان من أوائل العلماء الذين بحثوا في نشأة الدين العالم (سير جيمس فريزر) و (تايلور) و (إميل دوركايم) و (راد كليف براون) وغيرهم من علماء الاجتماع والأنثروبولوجي .
أما عن أسباب تأخر الأساليب العلمية لدراسة الظاهرة الدينية فيرجع ذلك لعدة أسباب أعاقت دراسة نشأة الدين كارتباط الدين بالجانب العقائدي من حياة الإنسان مما يجعله, محاطا بسياج من الرهبة والقدسية التي تدعو إلى الحذر والتردد في معالجة موضوعاته.
المطلب الثاني : نشأة الدين
بازدياد خبرة المجتمعات البشرية وازدياد اعتمادها على الطبيعة وإلى ضرورة التحكم بها خاصة عند المجتمعات الزراعية البدائية ؛ وبازدياد تأثير الظواهر الطبيعية على تركيبة هذه المجتمعات وطرق إنتاجها لحاجاتها البشرية ؛ بقيت المجتمعات البشرية غير قادرة على التحكم بأساليب حياتهم ومعيشتهم، الطبيعة والظواهر الطبيعية كان لها الدور الفصل في التحكم بمصير هذه المجتمعات. بدا الإنسان ضعيفاً عاجزاً أمام قوى الطبيعة العاتية، ومازال حتى الآن عاجزاً بشكل من الأشكال. فظهر الدين أو ما يعرف بالفكر الديني، أخذ البشر بالاعتقاد بوجود كائنات غير مرئية، أو كائنات تعيش في أماكن بعيدة، تتحكم بمصير المجتمعات البشرية فكان لابد من استرضاء هذه الكائنات وطاعتها وتقديم القرابين لها، لتحميهم وتمنع الأخطار عنهم. وبهذا ظهر ما يعرف بالدين أو الفكر الديني توصل بعض علماء الاجتماع الغربيين بعد دراسته للنظام الديني في بعض القبائل البدائية الأسترالية وهي أقدم القبائل البشرية، وجدوا أن هذه القبائل يعبدون الجد الأكبر الذي ينتمي إليه أفراد القبيلة ويقدمون له الطقوس والشعائر، ويطلقون عليه (الطوطم)، وهذه النظرية تعنى، أن أقدم قبائل البشرية لم تكن تعتقد بوجود إله مقدس، ولم يكن لديهم أية فكرة حول الإله خالق الكون أو ما وراء الطبيعة كما يعرف الناس اليوم، فنرى بعض الكتاب يتبنى هذه النظرية ويجعل منها مسلمة من المسلمات، وحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأنها توافق مذهبه في الإلحاد ونقض الأديان، إلا أن علماء غربيين آخرين قاموا بزيارة تلك القبائل واكتشفوا
خطأ وقصور هذه النظرية وأثبتوا أن الإنسان البدائي الأسترالي يعتقد أن العالم قد تكون في عصور قديمة عن طريق كائنات مقدسة يطلق عليها اصطلاح (طوطم)، وليس الطوطم هو الجد الأكبر للقبيلة، بل الطوطم كانوا يطلقونه على كائنات مقدسة يعتقدون أنها هي التي خلقت هذا العالم، إن علم البحث في نشأة الدين أو ما يسمى بعلم الاجتماع الديني هو علم حديث نسبيا فهو لم يبدأ إلا في القرن التاسع عشر, وكان من أوائل العلماء الذين بحثوا في نشأة الدين العالم (سير جيمس فريزر) و (تايلور) و (إميل دور كايم) و (راد
كليف براون) وغيرهم من علماء الاجتماع و تظهر وظيفة الدين بما جاء به ماكس فيبر الذى يرى ان الدين كحاجة اساسية انسانية رغم تفاوت طبيعة وشدة هذه الحاجة عند مختلف الافراد و هو الاهتمام المطلق و فهم الغرض من الحياة ومعناها وايضا ينجر الذى يرى الدين على انه النسق من المعتقدات والممارسات التى بواستطها يكافح جماعة الافراد المشكلات المطلقة للحياة الانسانية
بذلك فوظيفة الدين تتمثل فى انه يقدم للافراد التفسير لمشاكلهم الحياتية ويمدهم باسترتيجية لقهر اليأس والشعور بالاحباط لذلك فالدين ظاهرة اجتماعية يتعايش ويكتسب كثيرا من جوانب معايشته وتفاعله مع الجماعه ويمكن اعتبار اعتقاد الفرد هو الايمان والاظهار الاجتماعى له هو الدين
المطلب الثالــــــث الأسباب التى أدت إلى دراسة الأديان
عندما دخلت أوروبا عصر التنوير في القرن الثامن عشر وعمت العقلانية جميع الاوساط شن العلماء الطبيعيون حربا ضد الكنيسة وأدرك العلماء في ذلك العصر ان المنهج الذى يطبقه العلماء الطبيعيون يمكن تطبيقه على العلوم الانسانية وقد ساعد على ذلك ان العلوم الطبيعية قد بدأت تتقدم بسرعة مذهلة وأجتاحت الثورة الصناعية أوروبا ونشأت الحركات الأستعمارية لتغذية الصناعة بالمواد الخام ومع الأستعمار أنتقل الكثير من الأوربيين للعيش في أفريقيا وأسيا وتعايشوا مع أناس غير مسيحيين بل ودرسوا تاريخ إيران
والشرق الأقصى بدياناته المتعددة والحضارة المصرية القديمة وقد قاموا بمقارنة ما وصلوا أليه من علم بما جاء بالتوراة فوجدوا أختلافا كثيرا أدى إلى ظهور النقد اللازع للتوراة بل والكتاب المقدس ككل فتدخلت الكنيسة لتوقف هذا النقد اللازع ولتخرج من الحرج التى وقعت فيه فقام كثير من أتباعها من العلماء بتبنى نظرية دارون في التطور وطبقوها على الأديان بمقولة أن المظاهر الدينية التى يتمتع بها الهمج أو المسلمون او غيرهم تعتبر بداية سابقة للتطور الدينى المسيحى الأوربى غير أن هؤلاء المفكرين من أتباع الكنيسة أغفلوا أو تغافلوا عن حقيقة مهمة وهى أن نظرية التطور على الرغم مما وجه إليها من النقد مجالها علم الجيولوجيا وليس مجالها الدين هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن القول بأن الدين ظاهرة تخضع للتطور وأن الأديان الأخرى غير المسيحية حلقة في سلم التطور أمر يناقض العقل فلماذا تطور الأوربيون إلى المسيحية ولم يتطور غيرهم أليها على الرغم من التعاصر الزمنى بين الفريقين
الجزء الثاني (علم الاجتماع الديني)
المبحث الثانــي : موضوع علم الاجتماع الدينيالمطلب الاول : مفهوم علم الاجتماع الديني
هو العلم الذي يدرس المؤسسات الدينية دراسة اجتماعية ( اماكن العبادة – الطقوس ) , كذالك العمليات الاجتماعية داخل المؤسسات الدينية , يعرف علم الاجتماع الديني العلاقة المتفاعلة بين الدين و المجتمع ايضا عرف بانه العلم الذي يدرس الجذور الاجتماعية للظواهر الدينية و اثر هذه الظواهر في المجتمع و البناء الاجتماعي كما عرف بانه العلم الذي يدرس المؤسسة الدينية دراسة اجتماعية وقد عرف "هولت" المؤسسة الدينية بأنها المنظمة الدينية الرسمية ذات الطابع و الصبغة الدائمة و المستمرة ( وزارة الاوقاف و وزارة الشؤون الدينية – المساجد ). و من هذا المفهوم يظهر بان علم الاجتماع الديني يختص بدراسة الظواهر الاجتماعية التي تبرز في المؤسسات و النظم الدينية والتي حددها البروفيسور "جورج زيمل" في كتابه – علم الاجتماع الشكلي – بما يلي : 1/- الرئاسة و المرؤوسية في المؤسسات الدينية. 2/- المركزية و اللامركزية في المؤسسات الدينية. 3/- الموضوعية في المؤسسات الدينية. 4/- الصراع و الوفاق في المؤسسات الدينية . 5/- المنافسة و التعاون داخل هذه المؤسسات. ان الدراسة الجتماعية للمؤسسة الدينية ينطوي على تحليل الامور التالية : * دراسة العلاقات الاجتماعية داخل المؤسسة الدينية * نظام السلطة في المؤسسة الدينية. * نظام المنزلة في المؤسسة الدينية. * تحليل العمليات الجتماعية داخل المؤسسة الدينية .
المطلب الثاني : عوامل ظهور علم الاجتماع الديني. ان علم الاجتماع الديني
هو وليد العلاقة الجدلية بين الموضوعات التي يدرسها كل من علم الاجتماع وعلم الدين فقبل ظهور علم الاجتماع الديني في النصف الاول من القرن 20 كانت موضوعاته و ادبياته مبعثرة و مشتتة في حقلي علم الاجتماع و الدين و بظهوره انفصلت الموضوعات الاجتماعية الدينية كي تنمو و تتكامل و تصبح قادرة على تفسير الظواهر الاجتماعية تفسيرا علميا هادفا . اما العوامل التي ادت الى استقلالية علم الاجتماع الديني عنهما هي كالاتي : 1- عدم قدرة علم الاجتماع على دراسة الظواهر الدينية دراسة اجتماعية متخصصة نظرا لسعة و كبر مجاله الدراسي و تعدد موضوعاته كثرة العوامل و القوى المؤثرة في الحياة الاجتماعية للانسان الى جانب عدم اهتمام علم الدين بدراسة الجذور الاجتماعية الدينية و اثر هذه الظواهر في البناء الاجتماعي . 2- تعقد الحياة الاجتماعية و تفرعها و تداخل ظواهرها في القيم و الممارسات الدينية مع ظهور الاهتمام المتزايد للدين في شؤون المجتمع لاسيما بعد طغيان الحياة المادية و النفعية على الحياة الروحية و الاخلاقية . 3- ظهور الدراسات والادبيات الكثيرة في حقل علم الاجتماع الديني خلال الفترة ( 1920-1950 ) لاسيما كتاب " علم الاجتماع الديني و "روح الرأسمالية " لمؤلفه "ماكس فيبر" و كتاب الوظائف الاجتماعية للكنائس , الى جانب ذلك ظهور عدة اقسام علمية متخصصة في حقل علم الاجتماع الديني التي تم تأسيسها في العديد من الجامعات الاوربية و الامريكية و التي ادت بدورها الى بلورة الاختصاص و تنميته و انتشاره.
المطلب الثالث : أهداف علم الاجتماع الديني. يمكن تلخيص أهداف علم
الاجتماع الديني فيما يلي : - فهم و ادراك الاسس الاجتماعية للظواهر الدينية كالعبادة ( الصوم، الصلاة ). - فهم و ادراك ماهية الظواهر الاجتماعية التي تبرز في النظم و المؤسسات الدينية مثل الصراع- التعاون . - من أهداف علم الاجتماع الديني ايضا العلاقة بين الدين و المجتمع. - تثبيت الحدود العلمية بين علم الاجتماع الديني و التخصصات الدقيقة لعلم الاجتماع من جهة و بين العلوم الاجتماعية الاخرى . – تطوير علم الاجتماع الديني بحيث يستطيع تفسير جميع الظواهر الاجتماعية و الدينية . - زيادة عدد العلماء و الباحثين في اختصاص علم الاجتماع الديني . - السعي من اجل تحرير علم الاجتماع الديني من الذاتية و الانفعالية و العاطفية التي
غالبا ما تسيطر على المتخصصين في هذا الحقل الدراسي . – اعتماد مناهج متطورة و حديثة و التي تمكن المختص في علم الاجتماع الديني من اجراء البحوث و الدراسات النظرية بكفاءة و دقة اكبر.
المبحث الثالث : الاتجاهات النظرية لعلم الاجتماع الديني
المطلب الاول : مناهج البحث في علم الاجتماع الديني. تتطلب الدراسة
العلمية للدين ,وجمع المادة العلمية الواقعية عن الموضوعات المتعلقة بالجوانب الدينية لاستخدام عدد من المناهج منها :
1/- المنهج التاريخى :
تسعى الدراسات الاجتماعية فى هذا العلم لبحث العلاقة بين الوقائع الاجتماعية وسمات التدين وتهدف لتفسير هذه العلاقة ليس فى ظل ظروف محددة ولكن فى جميع الحالات هذا ما ادى الى نمو النظريات الخاصة بتطور الدين وتطور البيانات عن الجماعات الدينية لذلك كان المنهج التاريخى من المناهج الهامة لبحث مثل هذه الظواهر الدينية وقد استخدمة بارسونز وبيلا فى دراسة تطور الدين ,فقد استخدمة بارسونز واشار الى ان الدين فى تطورة يزداد تباينا وتفردا عن بقية المجتمع وهذا يعنى ان الدين يزداد خصوصية .فالدين مازال شيئا هاما بالنسبة للافراد ,اما بيلا فقد وضع خمس مراحل تطورية للدين هى (مرحلة الدين البدائى ,مرحلة الدين القديم, مرحلة الدين التاريخى,مرحلة الدين المعاصر المبكر,ومرحلة الدين المعاصر)
2/- منهج المقارنة الثقافية :
وقد استخدمه فيبر فى محاولة اختبار نظريتة عن العلاقة بين الاخلاق البروتستانتية وظهور الرأسمالية عن طريق دراسة الدين والاقتصاد فى كل من الهند والصين واستخدمه تالمون فى دراسته للعديد من الثقافات الدينية واستخدمة العديدون فى دراسة قضية المعتقدات الدينية والتغير فى ادوار الافراد ,رغم هذا فهذا المنهج به عدة صعوبات تكمن فى ان مفاهيم التدين تتباين بشكل كبيرمن ثقافة لاخرى للدرجة التى يصعب فيها المقارنة بينهما
3/- المنهج التجريبى :
استخدم هذا المنهج فى دراسات الدين ومازال يواجه صعوبات كثيرة فالباحث لا يستطيع ان يستخدم جماعات ضابطة واخرى تجريبية لاختبار المتغيرات المتعلقة باعتناق دين جديد ,رغم ها فقد استخدم هذا المنهج فى دراسات التنشأة الاجتماعية الدينية ,كالدراسة التى قام بها باتسون حول معرفة الخصائص السيكلوجية والقيمية عند الافراد قبل وبعد لقاءات التوعية والانعاش الدينى
4/- منهج المسح الاجتماعى :
وقد استخدم هذا المنهج فى دراسة الانتماء الدينى والمداومة على الذهاب لدور العبادة والمداومة على الصلاة ومعرفة اتجاهات الطائفة الدينية والاعتقاد فى مفاهيم دينية معينة وهو عموما يفيد فى ايجاد ارتباطات بين سمات دينية محددة واتجاهات اجتماعية معينة.
5/- المنهج الاحصائى :
هو من المناهج التى استخدمت حديثا فى ذلك , وقد يفيد هذا المنهج فى ابراز الارتباطات والعلاقات بين مكونات الظواهر الدينية ,هذا على الرغم من عدم مصداقية نتائجه فيما لا يتعدى توضيح العلاقات العلمية بين مكونات الظاهرة و موضوع الدراسة، وتظهر من خلال هذه المناهج شروط او بالاحرى اسس يجب التقيد بها اثناء الدراسة منها :
* يجب على الباحث تعطيل الافتراضات التى يأتى بها إلى مواد بحثه كالأفتراضات الدينية والقيمية والاخلاقية والتى تشكل ثقافة لباحث ودينه وحضارته وهذه الافتراضات لابد ان ينحيها الباحث جانبا حتى لا تفرض نفسها على المواد التى تحت بحثه حتى يعطى المجال للظواهر والحقائق بأن تحدثه عن نفسها وتفصح له عن جوهرها .
* لابد للباحث ان يتعاطف مع المواد التى يدرسها فإذا كان هناك شخص ما يعتنق دين معين و يدرس دين يكرهه فهذه الكراهية لابد ان تؤثر على تفهمه لذلك الدين وبالتالى على نتائج بحثه فالمظاهر الدينية لا يمكن دراستها كالأشياء الجامدة بالعقل بل يضاف لذلك
ما يعبر عنه القلب فالباحث اذا لم يتأثر مع القيمة المجسمة في الطقوس الدينية فهو بالطبع لم يدركها * تجميع المواد وتصنيفها حسب مقولات نابعة منها فقد يتعاطف الباحث مع القيمة وينحى افتراضاته جانبا ولكن يرتب القيم ترتيبا يتناقض مع معطياتها فذلك يهلك قيمة هذه المواد فهذه المواد مع بعضها تعطى معنى كلى لا يمكن التوصل اليه الا بترتيب المواد حسب مقولات نابعة منها.
* التعرف على الماهية وهو امر حدس يصل اليه الباحث عندما يتم البناء الكامل للظواهر التى عندما يتم بناؤها العضوى وتتشابك العناصر المكونة لهذا الدين عندئذ يمكن للباحث يأمعان النظر في هذه العناصر ان يصل إلى جوهر الدين وماهيته.
2/- إميل دور كايم : ركز دور كايم في دراسته للدين على الاعتقاد الديني في المجتمعات التقليدية الصغيرة حين درس الطوطمية التي يمارسها سكان أستراليا الأصليين بل إعتبرها تمثل الاشكال الاولية للدين ((الطوطم: حيوان أو نبات يجسد فيه قيمة رمزية للجماعة ويحضى با الجلال والاحترام لان له طابعا مقدسا تتبلور حول منظومة من الانشطة الطقوسية المتنوعة)) يعرف دور كايم الدين عن طريق الفصل بين ماهو مقدس ومدنس فالناس يتعاملون مع الرموز المقدسة بمعزل عن جوانب الحياة اليومية التي تدخل في باب المدنس ويحضر في هذه الحالة أكل الطوطم من الحيوان أو النبات ويعود إعتبار الطوطم مقدس كونه رمز الجماعة نفسها فهو يجسد القيم المحورية في حياة الجماعة والمجتمع فموضوع العبادة هو المجتمع نفسه الذي يسعى لتأكيد ذاته بذاته ويرسخ شرعيته وقيمته وبالتالي فالآلهة ماهي الا صورة للمجتمع كما يؤكد دور كايم على ان الديانات ليست عبارة عن معتقدات بل تتجاوزها لتشمل مجموعة من الانشطة الطقوسية التي يتجمع فيها المؤمنون ويلتقون سويا ويظهر جليا في مثل هذه المجتمعات الاحساس بالتضامن الاجتماعي حيث يشعر هؤلاء بالتواصل مع قوى علوية ويرتقون الى مراتب عليا بعيدا عن المشاكل اليومية في الحياة الاجتماعية وهذه القوى المنسوبة الى الطوطم ماهي سوى تعبير عن غلبة روح الجماعة على النزعة الفردية . يرى دور كايم ايضا ان الدين ليس سلسلة من المشاعر والانشطة بل هو القالب الذي تتحرك فيه انماط التفكير لدى افراد الثقافات التقليدية وكان دور كايم يعتقد ان تأثير
الدين سينحصر مع تطور المجتمعات الحديثة وسيحل مكانه التفكير العلمي غير أنه يعترف أن الدين قد يستمر بأشكال بديلة قد تدور حول القيم الانسانية والسياسية.
3/-ماكس فيـبـــــر : قام فيبر بدراسات كثيرة حول الهندوسية و البوذية و اليهودية القديمة الى جانب دراسته لآثار المسيحية في تاريخ الغرب في عدة مؤلفات من ابرزها " الاخلاق البروتستانية و روح الرأسمالية " كما انه لم يستكمل دراسته عن الدين الاسلامي و ركز في دراسته على الاديان عن الترابط بين الدين و التغير الاجتماعي ، ويرى ماركس بأن الدين بشكله التقليدي سوف يختفي. بل لابد من أن يختفي نظرا إلى أن القيم الايجابية التي يمثلها الدين قد تكون نموذجا هاديا لتحسين الأوضاع البشرية على هذه الأرض. وليس لأن هذه القيم والمثل العليا مغلوطة بحد ذاتها. وعلينا من وجهة نظر ماركس أن لا نخشى الآلهة التي صنعناها بأنفسنا. وأن لا نضفي عليها المثل والقيم العليا التي يمكن للبشر أنفسهم أن يحققوها. وأعلن ماركس في إحدى عباراته الشهيرة قائلا: بأن* الدين هو أفيون الشعوب *.
فالدين يرجئ السعادة والجزاء إلى الحياة الأخرى. ويدعو الناس إلى القناعة و الرضا بأوضاعهم في هذه الحياة. و يؤدي ذلك إلى صرف الانتباه عن المظالم و وجوه التفاوت و اللامساواة في العالم. و الهاء الناس بما يمكن أن يكون نصيبهم في عالم الآخرة. و ينطوي الدين على حسب ما يرى ماركس على عنصر إيديولوجي قوي: إذ أن المعتقدات والقيم الدينية تستخدم في أكثر الأحيان لتبرير جوانب اللامساواة في مجالات الثروة و السلطة. إن عبارة مثل * الضعفاء سيرثون الأرض * على سبيل المثال تحمل معنى الخضوع وعدم التصدي للقمع.
و هكذا فإن ماركس حاول إيصال فكرة مهمة وهي كيف تسخر طبقة اجتماعية الدين في صالحها لتخدم مصالحها الشخصية دون الطبقة العريضة والمتمثلة في البوليتاريا .
الخاتمة: ان علاقة الدين بالمجتمع علاقة اجتماعية حيوية يجب ان تدرس وتبحث وفق منظور علمي ذلك لما لها من مكانة فاعلة ومنفعلة في منظومة المجتمع ومفاصله.. وبخاصة في الدول العربية.. ولهذا خصص علماء الاجتماع الغربيون علم الاجتماع الديني يقوم بتحليل الظاهرة الدينية وتركيبها من جديد من أجل وضع الدين في مكانه المناسب كعلاقة روحية بالفرد لها
استقلاليتها بعيداً عن التوظيفات الايديولوجية والسياسية والثقافية على عكس التوظيف الديني والسياسي للإسلام كأيديولوجية في حالة صراع على الهوية والأصالة مع الحداثة.. ان علم اجتماع الديني ولد من رحم تساؤل علم الاجتماع حول العصرية، والغريب او الطريف ان من ساهم في تطوير هذا العلم في اوروبا.. هي الاوساط الدينية المسيحية، كما أكد ذلك (جان بول ) في كتابه (الاديان في علم الاجتماع).. حتى ظهرت تخصصات في (علم اجتماع الكاثوليكية) وفي النهاية يمكن القول إن المعتقدات الدينية التي تعترف بوجود قوة قاهرة مقدسة صانعة لهذا الكون، موجودة في كل المجتمعات الإنسانية بلا استثناء، وفي ذلك يقول الدكتور عبد الحميد لطفي النظم الدينية موجودة في كل المجتمعات الإنسانية لأنها تسد حاجات اجتماعية هامة، فالدين يدفع الأفراد إلى تغليب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، كما يساعد على تكامل شخصية الفرد وتقوية روحه المعنوية فيدفع عنه الخوف ويحيي فيه الأمل بما يبثه
فيه من قوى خارقة تتمثل في قوة الإله الذي يقدر على مساعدته. وللنظم الدينية دور هام في تكامل المجتمع عن طريق شعائره التي تؤدي وظيفة العاطفة الجماعية المشتركة، والتي تذكر الفرد وهو غارق في حياته المادية وأنانيته وشحه بولائه لجماعته ولقيمها العليا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق